مشاهدة النسخة كاملة : المتنصّرون يهربون إلى لبنان.. مؤقتاّ


محمد فرج الأصفر
09-19-2014, 08:41 AM
اتخذت قرارها أخيراً. حزمت أمتعتها وغادرت منزلها في القاهرة من دون وداع من تحبهم، وهم كثر. جاءت إلى لبنان الذي تثق به، على حد قولها. على الأقل لن تتعرّض للقتل لمجرد أنها قررت اعتناق المسيحية. في بلدها الأمر مختلف. ستُحاكم بتهمة "الردة" التي تصل عقوبتها حد الموت. يغلب عليها الخوف. تسير حائرة في شوارع مدينتها الجديدة. تلتفت يميناً ويساراً خشية أن تكون ملاحقة من قبل أحد أفراد عائلتها. يساورها القلق في حال اشتبهت بوجه أحدهم في الشارع فتسارع إلى الاختباء.
اعتنقت مريم (اسم مستعار)، وهي في الخمسين من عمرها، المسيحية عام 2005. تعمّدت في لبنان على يد القس جورج (اسم مستعار) الذي تعرفت إليه عن طريق سيدة تخدم معه في إحدى الكنائس. هذه المرأة، ابنة العائلة المسلمة الملتزمة، لم تكن تدرك أن قرارها سيكلفها حياتها وحياة أطفالها. اضطهدت واعتقلت في سجن النساء لأشهر عدة من دون تهمة واضحة. حوربت بسبب خيار شخصي. تضيف: "هربت من القتل ولجأت إلى لبنان مؤقتاً لأطلب اللجوء الديني إلى بلد أوروبي. مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين طلبت مني تقديم رسالة تُبرّر سبب اعتناقي المسيحية، علماً أن عدداً كبيراً من الراغبين بالحصول على تأشيرة خروج إلى بلد أوروبي يلجؤون إلى حجة التنصّر لتحقيق أهدافهم".
قدّمت مريم ملفاً يتضمن أوراقاً تُثبت اعتقالها وشهادة تعميدها، إضافة إلى تقرير طبي عن الحالة النفسية الصعبة التي مرّت بها وأولادها الذين رفضوا البقاء في مصر، مما دفع بالأمم المتحدة إلى تعيين طبيب نفسي لمساعدة العائلة على اجتياز المرحلة هذه بسلام. تعيشُ مريم اليوم في غرفة صغيرة. لم يكن هذا حالها. هي من عائلة ميسورة. لكن كل شيء اختلف اليوم. أولادها لا يستطيعون دخول المدرسة بسبب أوراقهم غير القانونية. تقول: "مرّ على وجودي في لبنان ثلاثة سنوات، وما أزال أنتظر قرار قبولي ومساعدتي على الهرب إلى بلد لا أحد يلومني فيه على ديني أو جنسيتي، أو يتدخل بحياتي الشخصية".

سفارة العابرين

يختارُ العديد من المتنصرين العرب الذين يتعرضون للاضطهاد في بلادهم القدوم إلى لبنان. هو محطة مؤقتة بالنسبة إليهم. يفضلون الذهاب إلى أوروبا ليشعروا بالأمان. يلجؤون إلى "سفارة العابرين" (صلة وصل بينهم وبين الكنيسة) للانتقال من الإسلام إلى المسيحية، علماً أن هذه الأخيرة تستقطب أعداداً كبيرة سنوياً من مختلف الدول العربية، بحسب سفيرها القس جورج. الأخير يعمّدهم ويساعدهم على التأقلم مع ظروف حياتهم الجديدة، قبل أن ينطلق كل عابر إلى حياة جديدة.
يقول لـ "العربي الجديد" إن "المتنصرين، أي العابرين من الإسلام إلى أتباع يسوع الناصري، عادة ما يكونون ملاحقين من قبل أهلهم أو الدولة نفسها التي تركوها. أما مصطلح "العابرين" فيعني أولئك الذين عبروا من أي ديانة إلى المسيحية.

صراع

قصة الفتاة الكويتية العشرينية هبة (اسم مستعار) تبدو مختلفة. لم تحسم أمرها بعد بالقدوم إلى لبنان. لا تزال تنتظر إجابات على أسئلة عدة تساعدها على "اتخاذ قرار مصيري"، على حد قولها. تحكي قصتها لـ "العربي الجديد". عاشت هذه الفتاة "مشاكل عائلية كثيرة كان أبرزها انفصال والديها، مما ولّد لديها رغبة بالابتعاد عن عائلتها".
تضيف: "غالباً ما كنت أشعر بالوحدة. لجأت إلى المواقع الإلكترونية وتعرفت على الكثيرين من معتنقي المسيحية. شعرت براحة كبيرة. شيئاً فشيئاً، تواصلت مع سفارة العابرين في لبنان". تعيشُ هبة اليوم صراعاً مع بيئتها "المتشددة دينياً"، كما تصفها. تغيرت نظرتها إلى الحياة. تنتظرُ تأمين مسكن وعمل مؤقت في لبنان قبل أن تترك بلدها.
أما محمد رحومة، فلم يكن قراره سهلاً، هو الذي تحوّل من عميد لكلية الدراسات العربية والإسلامية التابعة أكاديمياً لجامعة "الأزهر" في مصر، إلى مبشّر في الديانة المسيحية ومؤسّس كنائس للمتنصرين عالمياً. يقول لـ "العربي الجديد": "اقتنعت بالمسيحية. فصدرت فتوى تُشرّع قتلي، وقد هُدّدت بخطف أولادي. سافرت إلى أميركا قبل أن أعود مجدداً إلى مصر، لأجد أن الجميع قد عرف بإيماني بالمسيح، بسبب شقيقتي التي كنت أمكث عندها، واكتشفت الأمر من خلال قراءة مذكراتي".
يُضيف رحومة: "اعتنقت المسيحية رسمياً عام 2009. تعمّدت في الكنيسة الأرثوذكسية في مصر قبل أن أبدأ التبشير". أنشأ كنيسة للمتنصرين في كندا عام 2011. ويلفت إلى أنه يعقد اجتماعاً أسبوعياً للمتنصرين في كنيسة في كاليفورنيا للاعتناء بالمتنصرين وحمايتهم من القتل وتشويه سمعتهم، "وخصوصاً أن عائلاتهم تعمد إلى إظهارهم على أنهم لصوص أو مرضى نفسيين".

لجوء ديني

في السياق، تقول المتحدثة باسم مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، دانا سليمان، لـ "العربي الجديد"، إننا "نستقبل طلب كل مواطن يحمل صفة لاجئ. وتُعرّف هذا المصطلح بأنه يعبر عن "كل من هرب من بلده بسبب انتمائه لمجموعة سياسية أو دينية أو اجتماعية". وتشرح أن "الاضطهاد بسبب الدين يدخل ضمن تصنيف اللجوء الديني، بالتالي فإن المرحلة الأولى بعد تقديم اللاجئ ملفه للمفوضية تكون الاعتراف به ومنحه هذه الصفة، ثم نحدد له مقابلة أخرى للتأكد من جميع المعطيات المكتوبة ضمن الطلب المقدّم. بعدها، نقدم طلبه إلى بلد أجنبي كأميركا أو كندا. وفي حال رفضه، نقدم الملف إلى بلد آخر، وخصوصاً إذا كانت ظروفه صعبة".
تتابع سليمان أن الأمر يستغرق ثلاثة أشهر كحد أقصى. وتؤكد أن "المفوضية تلعب دور الوسيط بين اللاجئ وبلاد إعادة التوطين، التي تقرر ما إذا كانت الشروط والمعايير التي تنص عليها قوانين بلادهم تتوافر لديهم. بالتالي، فإننا ننتظر، على غرار اللاجئ، قرار هذه الدول". وتشير أيضاً إلى أن "رفض الملف لا يعني رميه. بل يتم الاحتفاظ به لتقديمه إلى بلد آخر لاحقا"، لافتاً إلى أن "نحو واحد في المائة من لاجئي العالم يتم إعادة توطينهم سنوياً فقط". - See