مشاهدة النسخة كاملة : هل بدأ طريق بناء الهيكل بمحو رفح؟


نعمة حكيم
11-04-2014, 12:17 AM
الأحداث الكبرى في التاريخ لا تأتي فجأة ، إذ غالبا ما تكون نتاج الكثير من المقدمات الدقيقة والممهدات الصغيرة ، كما أنها تأتي في سحائب أحداث كثيرة صغيرة ومتلاحقة تفسح وتمهد المجال لوقوع الحدث الأهم والأبرز . وكل الأحداث الجارية على الساحة الإقليمية والدولية اليوم تقود إلى نتيجة واحدة ، ستكون بمثابة الكارثة الأشنع لو حدثت ـ لا قدر الله ـ ، فعندما نعيد ترتيب أحجار اللعبة المبعثرة على رقعة الأحداث من الخليج إلى المحيط نجدها تقود على هذه النتيجة المروعة ، ألا وهي : هدم الأقصى وإقامة هيكل سليمان .

فقد قررت سلطات الاحتلال الصهيوني يوم الخميس الماضي إغلاق المسجد الأقصى نهائيا أمام المصلين ولأول مرة منذ سنة 1967، وذلك في أعقاب محاولة اغتيال الحاخام الصهيوني " يهودا غليك " المعروف بنشاطه المحموم في مجال بناء هيكل سليمان موضع المسجد الأقصى ، بعد أن أطلق عليه أحد الفلسطينيين "معتز حجازي" النار في أعقاب انتهائه من محاضرة ترويجية لفكرة بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى .

و"يهودا غليك" إسرائيلي وُلد في الولايات المتحدة، وهو ناشط إسرائيلي من اليمين المتطرف وعضو بارز فيما تسمى حركة جبل الهيكل.عمل غليك على الوصول إلى السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى المبارك.

في عام 2014، أسس غليك منظمة "حليبة" Haliba وهو الآن يرأسها، وهي منظمة هدفها "إعادة الحقوق الأساسية لليهود من حيث حرية العبادة وحرية الدخول والتجمع على جبل الهيكل"،وغليك يترأس أيضًا مؤسسة تراث جبل الهيكل، وعمل كذلك في معهد الهيكل، وهي منظمة هدفها النهائي هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل لثالث مرة في القدس، كما أنه عضو بارز في حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعلى علاقة وثيقة بالجناح اليميني في الحزب .

وغليك هو أول من استطاع كسر حاجز الخوف من مطلب صلاة اليهود في الأقصى، والذي كان يُعد من المحرمات، وهو المطلب الذي اكتسب مكانة بارزة في السنوات الأخيرة،بفضل الحملات التي قادها غليك.

حتى أن "ميري ريجيف" عضو الكنيست اليميني الذي يرأس لجنة الشئون الداخلية ، قام بإجراء 14 جلسة حول هذا الموضوع منذ يونيو 2013، مقارنة بأربع جلسات فقط في السنوات العشر التي سبقت ذلك ، بالجملة اقتراحات تقسيم المسجد الأقصى، على غرار ما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل، تكتسب زخمًا كبيرًا في المجتمع الإسرائيلي كذلك.

لذلك لم يكن مستغربا أن يقوم فلسطيني حر ومسلم غيور على دينه ومقدساته بمحاولة قتل هذا الشيطان المريد ، ولكن المستغرب رد فعل الصهاينة المبالغ فيه وغير المعتاد والجريء في نفس الوقت بالإقدام على غلق المسجد الذي لم يغلق من عشرات وربما مئات السنين .

عقود مرت والمحاولات الصهيونية اللاهثة والحثيثة لا تنقطع من أجل إثبات أحقية كاذبة في المسجد ، وخيال هيكل سليمان لا يفارق اليهود جميعا ، متدينين وعلمانيين، يمينيين ويساريين ، لا فرق بينهم ، فهم أمام اعتقاد الهيكل جميعا سواء ، حتى أنهم من شدة إيمانهم بهذه الأسطورة ، قد أعدوا كل شيء يتعلق ببناء الهيكل ، من تصاميم هندسية ، ومواد بناء ، وسدنة الشعائر، وزينات ، وحتى الشمعدان المقدس ،وخيمة العهد ، والبقرة الحمراء والمذبح المقدس ، كل ذلك تماما تجهيزه انتظارا واستعدادا للحظة الفارقة والوضع المناسب للقيام بأخطر الأعمال ؛ هدم المسجد الأقصى .

من عام تقريبا وقع حدثان كانا ذا دلالة كبيرة على دخول مخطط هدم الأقصى وبناء جبل الهيكل مراحله النهائية:

الأول : في أواخر شهر سبتمبر الماضي عندما أعلنت السلطات الإسرائيلية عن عثور باحثين برعاية عالمة آثار من الجامعة العبرية ، على كنزٍ عند أطراف المسجد الأقصى في القدس يحتوي على قلادة نقشت عليها صور الشمعدان والبوق (الشوفار) ونسخة من التوراة ، وقد علق نتنياهو على ذلك قائلا إن "هذا مكتشف أثري عظيم ، وعلى الصعيد القومي هذا برهان عظيم على التواجد اليهودي الطويل الأمد، وعلى قدسية هذا المكان.

والثاني : بعد الأول بشهر ، وفي أواخر أكتوبر من العام الماضي عندما دخلت جحافل المستوطنين إلى المسجد في ساعات الصباح في العيد المسمى بعيد العرش ، بعد أن قامت القوات الخاصة بإخلائه من الفلسطينيين، وكان ذلك بمثابة الإنذار لتطبيق فكرة التقسيم الزماني الذي يتزامن أيضا مع تخريب أساسات المسجد المستمر منذ عشرات السنوات تحت اسم التنقيب عن آثار الهيكل ، وهذه المرة هي الأولى التي يُعلن فيها عن العثور على ما يشير لوجود آثار يهودية فيما يُعرف بالمربع المقدس ـ محيط المسجد الأقصى ـ مما ينذر بدخول الصراع على الأقصى مراحله الأخيرة .

أحداث 3 يوليو في مصر كان نقطة فاصلة ومؤثرة في مؤامرة هدم المسجد الأقصى ، فلم يكد يمر بضع ساعات على بيان الجنرالات حتى حطت طائرة إسرائيلية خاصة تحمل مسئولا استخباراتيا إسرائيليا رفيع المستوى لمناقشة مستقبل الأوضاع والعلاقات بعد الانقلاب ، ولم تكن هذه الزيارة من فراغ فقد أنبئت الأيام التالية للانقلاب أن الكيان الصهيوني كان أكبر المستفيدين من هذا الانقلاب ، فقد وصل التنسيق والتعاون بين سلطة الانقلاب وسلطة الاحتلال إلى مستويات قياسية لم تصل إليها منذ توقيع كامب دايفيد .

ففي تقرير نشرته صحيفة وورلد تربيون الأمريكية عن مصادر عسكرية إن مصر وإسرائيل قامتا بتنسيق العمليات بينهما ضد مئات المسلحين بمدينة رفح ، المقسمة بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة الخاضع لحكم حركة حماس الفلسطينية ،وأكدت المصادر أن هذا التنسيق بين مصر وإسرائيل يمثل أعلى مستوى من التعاون العسكري بين البلدين منذ معاهدة السلام بينهما في عام 1979 .

وقال غيورا آيلان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق "هناك تعاون استخباراتي بين مصر وإسرائيل أتصور أنه في أعلى مستوياته الآن نظرا لزيادة الثقة وأرضية مشتركة بين الطرفين " .

هذا التنسيق والتعاون بين الطرفين أصبح عملا علنيا يتفاخر به الجانبان على حد السواء وهو ما حدا بالمسئولين الصهاينة لكيل المديح والثناء على قائد الانقلاب الذي كان أول من خرج بالعلاقات الرسمية بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية إلى طور العلن والوضوح .

ولكن أشد المتشائمين وأكثر الشاكين في نية سلطة 3 يوليو لم يكن يتصور أن يصل التعاون مع الجانب الصهيوني إلى هذا المستوى الجنوني ، بحيث تقدم هذه السلطة على تنفيذ مخطط عجز عنه الصهاينة أنفسهم ، ألا وهو مخطط محو مدينة رفح تاريخيا وجغرافيا ، وتهجير أهلها ، وإنشاء ما يسمى بالمنطقة العازلة بعرض 5 كيلو متر على طول الحدود مع قطاع غزة والبالغ 14 كيلو متر، بمعنى أصح نحن أمام كارثة: مدينة مصرية ستلغى تماما من الخريطة، نكبة جديدة.

وفي ميعاد لا يخلو من ريب ونية خبيثة للثأر من أهل سيناء ، وفي ذكرى العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956،واحتلال جزء من سيناء، أم رشرش،وفي الذكرى نفسها كان مؤتمر "الحسنة" الشهير الذي رفض فيه البدو والقبائل العربي التدويل في سيناء عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، موشي ديان، وروج للعالم أن سيناء ستنفصل عن مصر، ووقف القبائل والمشايخ وقالوا سيناء مصرية، ومن يريد أن يتفاوض على سيناء، فليذهب إلى القاهرة . في الذكرى المشحونة بالأحداث والذكريات تقرر القاهرة التي انحاز إليها أهل سيناء قديما أن تكافئهم بالمحو والتهجير في تغريبة عربية جديدة مثل تغريبة بني هلال القديمة . وذلك بالتعاون والتنسيق الأمني الواسع مع الكيان الصهيوني .

فقد كشف كبير المعلقين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، رون بن يشاي، عن أن الجيش المصري يشن حملاته الأمنية في سيناء استناداً إلى معلومات تقدمها الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية بذراعيها الداخلي " الشاباك " والعسكري " أمان "، وأوضح تقرير الصحيفة العبرية أن الجيشين المصري والإسرائيلي "يتقاسمان المسؤوليات في الحرب على الجماعات الجهادية في سيناء، بحيث يقوم الجيش المصري بشن الحرب الفعلية على الجهاديين، في الوقت الذي تتولى فيه إسرائيل توفير المعلومات والتقديرات الاستخباراتية استناداً إلى مصادرها البشرية والإلكترونية .

ومن الناحية الأخرى من العالم أثنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية على الخطة المصرية الرامية لإنشاء المنطقة العازلة ، واعترفت بأن أمريكا بعلمها بالخطة قبل وقوعها بقولها أن أمريكا قد أرسلت الطائرات الأباتشي لمصر من أجل هذا الغرض تحديدا ، وقالت بالنص " حسب الخطة " .

فنحن إذا أمام خطة دولية وليست محلية كما يروج النظام المصري ، خطة هدفها أبعد وأخطر وأهم بكثير من مجرد التخلص من جيب مزعج للسلطة المصرية ، فمحو مدينة رفح من الوجود وتركها قاعا صفصفا لا يخدم في الحقيقة سوى أمن الكيان الصهيوني ، فقد قال المحلل الإسرائيلي بن يشاي في تقريره المذكور سلفا أن الحرب التي تشنها السلطات المصرية ضد تنظيم "أنصار بيت المقدس" تخدم إسرائيل بشكل كبير؛ لأن هذا التنظيم يمثل تهديداً على الأمن الإسرائيلي، فهو حالياً يواجه الجيش المصري، لكنه سيتفرغ لشن هجمات على إسرائيل في المستقبل.

وكشف بن يشاي أن "التنظيم قام خلال الحرب على غزة بإطلاق عدة صواريخ "جراد" على ميناء "إيلات"، مشيراً إلى أن "السلطات الأمنية المصرية ألقت القبض على أحد عناصر التنظيم كان في طريقه لتنفيذ تفجير انتحاري داخل معبر "كرم أبو سالم"، الذي يربط بين إسرائيل وقطاع غزة، خلال الحرب الأخيرة".

ونقل عن المحافل الأمنية الإسرائيلية تحذيرها من أن التهديد الذي يشكله "أنصار بيت المقدس" يمكن أن يتعاظم، مشيرا إلى أن "التنظيم بإمكانه إسقاط الطائرات المدنية الإسرائيلية من خلال استخدام الصواريخ المحمولة على الكتف". وأوضحت المصادر أن التنظيم يمكن أن يقدم على محاولة خطف جنود، كما تفعل حركة حماس في قطاع غزة.

وهنا قد يتساءل البعض قائلين : ما علاقة ما يحدث في سيناء وما يحدث في القدس من تصعيد ضد المسجد الأقصى ؟

من خلال استقراء تاريخ هذا الصراع حول بيت المقدس تبرز عدة حقائق تكشف لنا خريطة طريق الصهاينة نحو هدم الأقصى وبناء الهيكل من أبرزها : أن الصهاينة يرفعون دائما وتيرة العمل من أجل هدم الأقصى وكذلك التهويد والاستيطان في الفترات التي يخفت فيها صوت المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني ، فالمقاومة الفلسطينية عامة والإسلامية بقيادة حماس والجهاد خاصة كانت وما زالت وستظل أسوأ كوابيس الصهاينة والهاجس الوحيد للصهاينة هو بقاء روح الجهاد والمقاومة متقدة ضدهم ، وبقاء كيانات المقاومة قائمة صامدة عاملة ، وهم قد استطاعوا ومنذ زمن طويل تفكيك منظمة التحرير وتدجين ذراعها العسكري " فتح ".

وهذه الحقيقة تقودنا إلى الحقيقة الثانية في قضية الصراع على الأقصى وهي : أن القائمين على السلطة الفلسطينية من شلة عباس ميرزا وشركاه هم أنفسهم أكبر عون على هدم المسجد الأقصى ، فهم يخوضون المعركة الخطأ بالتفاوض مع الصهاينة على دويلة فلسطينية حبيسة مبتورة منزوعة السلاح والصلاحية ، ويصرون على هذا المسار العقيم وهم يعلمون أن الصهاينة يصرون على جعل القدس عاصمة كيانهم الغاصب ، والأقصى هم هيكلهم المزعوم ، وفي نفس الوقت يخوضون معارك حامية ضد إخوانهم في الدين والعروبة والوطن ـ حماس وباقي الفصائل المسلحة ـ مدعومين دوليا وإقليميا بالكثير من القوى الحالمة باختفاء حركة المقاومة الإسلامية حماس من المشهد للأبد.

ففتح شريك أساسي اليوم في حصار حماس والتضييق على أهل غزة ، ومن يريد حماية الأقصى لا يمكن أن يطارد المقاومة، ويدجن الشعب على رفضها، ويتحدث لأبنائه عن خطط تنموية برعاية أميركية، وأنهار اللبن والعسل التي ستتفجر بأرض فلسطين بعد القضاء على حماس .

وعندما نضع الأحداث الصغيرة المتلاحقة بجوارها بعضها البعض بدء من محاولة إحراق المسجد الأقصى سنة 1968 ، ومرورا بالحفريات ، وعشرات المحاولات لاقتحام المسجد منذ الثمانينيات وحتى كتابة هذه السطور ، أوضاع إقليمية عاصفة ، تصاعد وتسارع محاولات فرض وجود زماني ومكاني به للصهاينة ، انقلاب عسكري يطيح بأول رئيس مدني منتخب ذي خلفية إسلامية ويدعم قضية فلسطين ، حصار لقطاع غزة وخنق للمقاومة الإسلامية ،ثلاث حروب مدمرة على غزة خلال ستة أعوام فقط ، مفاوضات سرية بين الصهاينة و حركة فتح برعاية أمريكية وروسية ، يتم فيها التنازل عن أهم نقطة في تاريخ الصراع ؛ " القدس " و" الأقصى .

وأخيرا وليس آخرا إنشاء منطقة عازلة بمحو مدينة رفح المصرية لتكتمل حلقات الحصار وتقليم أظافر المقاومة الإسلامية في المنطقة والقضاء عليها نهائيا في قطاع غزة، ليتفرغ الصهاينة بعدها بكل هدوء أريحية من أجل الهدف الأعظم والأهم ؛ بناء الهيكل ، لذلك حق لنا ولكل غيور على دينه وأمته ومقدساته أن يتساءل : هل بدأ بناء الهيكل بمحو رفح ؟
شريف عبد العزيز

عابرة سبيل
12-16-2021, 08:34 PM
[سجل معنا ليظهر الرابط]