مشاهدة النسخة كاملة : الْتِّبْيَانُ فِيْ آَدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآَنِ (4)


محمد فرج الأصفر
07-16-2014, 11:32 AM
الْتِّبْيَانُ فِيْ آَدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآَنِ
(4)
الباب السابع
فيْ آَدَابِ الْنَّاسِ كُلِّهِمْ مَعَ الْقُرْآَنِ

ثبت في صحيح مسلم رضي الله عنه عن تميم الداري رضي الله عنه قال إن النبي قال :
{إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ قُلْنَا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ}
قال العلماء رحمهم الله : النصيحة لكتاب الله تعالى هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاغين والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله والاعتناء بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم بمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته .
فصل
أجمع المسلمون على :
وجوب تعظيم القرآن العزيزعلى الإطلاق
***********
* أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته ؛
* وأجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر ؛
قال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض رحمه الله : اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحد حرفا منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك أو يشك في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين وكذلك إذا جحد التوراة والإنجيل أو كتب الله المنزلة أو كفر بها أو سبها أو استخف بها فهو كافر ؛
قال : وقد أجمع المسلمون على أن القرآن المتلو في الأقطار المكتوب في الصحف الذي بأيدي المسلمين مما كم الدفتان من أول الحمد لله رب العالمين إلى آخر قل أعوذ برب الناس كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد وأن جميع ما فيه حق وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع فيه الإجماع ؛ وأجمع على أنه ليس بقرآن عامدا لكل هذا فهو كافر .
قال أبو عثمان بن الحذاء : جميع أهل التوحيد متفقون على أن الجحد بحرف من القرآن كفر ؛
وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذ المقرئ أحد أئمة المقرئين المتصدرين بها مع ابن مجاهد لقراءته وإقرائه بشواذ من الحروف مما ليس في المصحف وعقدوا عليه للرجوع عنه والتوبة سجلا أشهدوا فيه على نفسه في مجلس الوزير أبي بن مقلة سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة ؛
وأفتى محمد بن أبي زيد فيمن قال لصبي : لعن الله معلمك وما علمك ؛ قال : أردت سوء الأدب ولم أرد القرآن قال : يؤدب القائل قال : وأما من لعن المصحف فإنه يقتل ؛ هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله .
فصل
ويحرم تفسيره بغير علم
**********
والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها والأحاديث في ذلك كثيرة والإجماع منعقد عليه ؛ وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن والإجماع منعقد عليه فمن كان أهلا للتفسير جامعا للأدوات التي يعرف بها معناه وغلب على ظنه المراد فسره إن كان مما يدرك بالاجتهاد كالمعاني والأحكام الجلية والخفية والعموم والخصوص والإعراب وغير ذلك ؛
وإن كان مما لا يدرك بالاجتهاد كالأمور التي طريقها النقل وتفسير الألفاظ اللغوية فلا يجوز الكلام فيه إلا بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله وأما من كان ليس من أهله جامع لأدواته فحرام عليه التفسير لكن له أن ينقل التفسير عن المعتمدين من أهله ؛ ثم المفسرون برأيهم دليل صحيح أقسام :
* منهم من يحتج بأنه على تصحيح مذهبه وتقوية خاطره مع أنه لا يغلب على ظنه أن ذلك هو المراد بالآية وإنما يقصد الظهور على خصمه ؛
* ومنهم من يقصد الدعاء إلى خير ويحتج بآية أن تظهر له دلالة لما قاله ؛
* ومنهم من يفسر ألفاظه العربية وقوف على معانيها ثم أهلها وهي مما لا يؤخذ إلا بالسماع من أهل العربية وأهل التفسير كبيان معنى اللفظ وإعرابها وما فيها من الحذف والاختصار والإضمار والحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والتقديم والتأخير والإجمال والبيان وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر ؛
ولا يكفي مع ذلك معرفة العربية وحدها بل لا بد معها من معرفة ما قاله أهل التفسير فيها فقد يكونون مجتمعين على ترك الظاهر أو على إرادة الخصوص أو الإضمار وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر ؛
وكما إذا كان اللفظ مشتركا في معان فعلم في موضع أن المراد أحد المعاني كل ما جاء به فهذا كله تفسير بالرأي وهو حرام والله أعلم .
فصل
يحرّم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق
**********
فمن ذلك أن يظهر فيه دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ويحتمل احتمالا ضعيفا موافقة مذهبه فيحملها على مذهبه ويناظر على ذلك مع ظهورها في خلاف ما يقول ؛
وأما من لا يظهر له ذلك فهو معذور وقد صح عن رسول الله أنه قال المراء في القرآن كفر ؛
قال الخطابي : المراد بالمراء الشك ؛ وقيل : الجدال المشكك فيه وقيل : وهو الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القدر ونحوها .
فصل
وينبغي لمن أراد السؤال عن تقديم آية على آية
***********
من أراد السؤال عن تقديم آية على آية في المصحف أو مناسبة هذه الآية في هذا الموضع ونحو ذلك أن يقول ما الحكمة في كذا فصل يكره أن يقول نسيت آية كذا بل يقول أنسيتها أو أسقطتها فقد ثبت في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله :
‏"لا يَقُولُ أحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، بَلْ هُوَ نُسِّيَ‏"‏ وفي رواية الصحيحين أيضاً
‏"‏بِئْسمَا لأحَدِهِمْ أنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَ كَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ" وفي رواية في الصحيحين أيضا :
"بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ " . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وثبت في الصحيحين أيضا عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ فقال :
"‏رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أسْقَطْتُهَا‏" وفي رواية في الصحيح ‏"كُنْتُ أُنْسِيتُها‏"
وأما ما رواه ابن أبي داود عن أبي عبدالرحمن السلمي التابعي الجليل أنه قال : لا تقل أسقطت آية كذا قل أغفلت فهو خلاف ما ثبت في الحديث الصحيح ؛ فالاعتماد على الحديث وهو جواز أسقطت وعدم الكراهة فيه .
فصل
يجوز أن يقال
*******
يقال :سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وسورة الأنعام وكذا الباقي ؛ لا كراهة في ذلك ؛ وكره بعض المتقدمين هذا ؛ ويقال : السورة التي يذكر فيها البقرة والسورة التي يذكر فيها آل عمران والسورة التي يذكر فيها النساء وكذا البواقي ؛
والصواب الأول فقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله قوله سورة البقرة وسورة الكهف وغيرهما مما لا يحصى وكذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ؛
قال ابن مسعود : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة ؛ وعنه في الصحيحين : قرأت على رسول الله سورة النساء ؛ والأحاديث وأقوال السلف في هذا أكثر من أن تحصر ؛ وفي السورة لغتان الهمز وتركه والترك أفصح وهو الذي جاء به القرآن ؛ وممن ذكر اللغتين ابن قتيبة في غريب الحديث .
فصل
ولا يكره أن يقال
**********
هذه قراءة أبي عمرو أو قراءة نافع أو حمزة أو ينوي أو غيرهم هذا هو المختار الذي عليه السلف والخلف إنكار ؛ وروى ابن أبي داود عن إبراهيم النخعي أنه قال : كانوا يكرهون أن يقال سنة فلان وقراءة فلان والصحيح ما قدمناه .
فصل
لا يمنع الكافر من سماع القرآن
**********
لقول الله تعالى : {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}
ويمتنع من مس المصحف وهل يجوز تعليمه القرآن ؟ قال أصحابنا : إن كان لا يرجى إسلامه لم يجز تعليمه وإن رجي إسلامه فوجهان أصحهما يجوز رجاء إسلامه والثاني لا يجوز كما لا يجوز بيع المصحف منه وإن رجي إسلامه وأما إذا رأيناه يتعلم فهل يمنع فيه وجهان .

عابرة سبيل
05-11-2022, 02:15 PM
[سجل معنا ليظهر الرابط]