مشاهدة النسخة كاملة : أرملة حاتم الطائي تستضيف المارة على مائدتها


محمد فرج الأصفر
01-06-2015, 08:55 AM
لم يقصد السائق أبو عبد الله أيّ مطعم أو دكان، بعد ساعات مضنية من العمل بعيداً عن المنزل. أوصل الطالبات والمعلمات على عجل. ولم يتوقف إلا أمام مائدة صغيرة بيضاء على قارعة الطريق أمام أحد المنازل الصغيرة في مدينة حائل (شمال غرب السعودية ([سجل معنا ليظهر الرابط])). هناك تناول بعض الطعام وارتشف القليل من القهوة، ومضى يكمل عمله.

السائق الهندي عامر خان، يفعل الأمر نفسه أيضاً كلّ يوم. فالشاب الذي بلغ التاسعة والعشرين، ويتولى مسؤولية أمه واخوته براتب لا يتجاوز 1500 ريال (400 دولار أميركي) شهرياً، يخطط للزواج قريباً. وبذلك فإنّه يجد في المائدة الصغيرة قوتاً مجانياً، يؤمن له الاستمرار، بعد ساعات من التنقل بين مدارس أبناء كفيله ومقر عمل والدتهم.

ويجتمع الاثنان على المائدة، في كثير من الأحيان، مع عامل النظافة البنغالي محمد. الذي يحرص على التوفير ما أمكنه من راتبه الضئيل. فهو قد استنفد الأحلام في إمكانية الوصول إلى الثروة الخيالية شأن القصة التي تروى عن أحد أبناء وطنه الذي وجد شقيقه الثري في مكة بعد غياب طويل عنه. وبات يدخر الجزء الأكبر من راتبه لاستثماره في مشروع صغير في وطنه. وتأتي المائدة الصغيرة في مكانها بالضبط بالنسبة إليه، في تأمين الغذاء اليومي له مجاناً.

يأتي الثلاثة، وآخرون كثيرون غيرهم من السائقين والعمال يومياً إلى المائدة. لكنّ معظمهم لا يعرف سرها، وما هي القصة خلفها. يهتمون أكثر بالتزود منها بقوتهم، ويشكرون من يعدّها لهم كائناً من كان، من دون أن يعرفوه يوماً.

وبذلك، تكثر القصص عن أصحاب المائدة وهويتهم. فيقول البعض مثلاً إنّها تعود لرجل أعمال أو ثري عمد إلى تزكية أمواله عبرها.

لكنّ أحداً لم يخطر بباله أن تكون امرأة متواضعة الدخل خلفها. فهذه المرأة أرملة سعودية وأم لأيتام، تعمل معلمة مدرسة، وتملك منزلاً بجوار الطريق. فيما تعدّ عاملتها المنزلية تحت إشرافها المائدة يومياً كسبيل خير لمن يقصدها من المارة.

ومع ذلك، ترفض السيدة أن يعلم أحد بصنيعها، أو يعرف أحد بهويتها. وتمتنع بشكل مطلق عن التحدث إلى أيّ وسيلة إعلامية.

ودأبها في ذلك، دأب الشاعر العربي حاتم الطائي الذي اشتهر بكرمه. وعاش يوماً على أرض حائل. فببساطة، هي أرادت القيام بأعمال الخير على طريقتها، ومباشرة إلى مستحقيها من دون أي واسطة. وبإمكانياتها المحدودة تسير على خطى الطائي، وتنصب مائدتها اليومية بطعامها وشرابها، لكلّ عابر سبيل. -