مشاهدة النسخة كاملة : كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (2)


محمد فرج الأصفر
06-19-2015, 09:47 PM
[سجل معنا ليظهر الرابط]
الميسرات الباطنة أربعة أمور
*******
الأول : سلامة القلب عن الحقد على المسلمين وعن البدع وعن فضول هموم الدنيا فالمستغرق الهم بتدبير الدنيا لا يتيسر له القيام، وإن قام فلا يتفكر في صلاته إلا في مهماته ولا يجول إلا في وساوسه وفي مثل ذلك يقال :
يخبرني البواب أنك نائم ... وأنت إذا استيقظت أيضاً فنائم
الثاني : خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل فإنه إذا تفكر في أهوال الآخرة ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره كما قال طاوس: إن ذكر جهنم طير نوم العابدين. وكما حكي أن غلاماً بالبصرة اسمه صهيب كان يقوم الليل كله فقالت له سيدته: إن قيامك بالليل يضر بعملك بالنهار، فقال: إن صهيباً إذا ذكر النار لا يأتيه النوم وقيل لغلام آخر وهو يقوم كل الليل فقال: إذا ذكرت النار اشتد خوفي وإذا ذكرت الجنة اشتد شوقي فلا أقدر أن أنام
وقال ذو النون المصري رحمه الله :
منع القرآن بوعده ووعيده ... مقل العيون بليلها أن تهجعا
فهموا عن الملك الجليل كلامه ... فرقابهم ذلت إليه تخضعا
وأنشدوا أيضاً :
يا طويل الرقاد والغفلات ... كثرة النوم تورث الحسرات
إن في القبر إن نزلت إليه ... لرقاداً يطول بعد الممات
ومهاداً ممهداً لك فيه ... بذنوب عملت أو حسنات
أأمنت البيات من ملك المو ... ت وكم نال آمناً ببيات
وقال ابن المبارك :
إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع
الثالث : أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار حتى يستحكم به رجاؤه وشوقه إلى ثوابه فيهيجه الشوق لطلب المزيد والرغبة في درجات الجنان؛ كما حكي أن أحد الصالحين رجع من غزوته فمهدت امرأته فراشها وجلست تنتظره فدخل المسجد ولم يزل يصلي حتى أصبح فقالت له زوجته : كنا ننتظرك مدة فلما قدمت صليت إلى الصبح ؟ قال : والله إني كنت أتفكر في حوراء من حور الجنة طول الليل فنسيت الزوجة والمنزل فقمت طول ليلتي شوقاً إليها.
الرابع: وهو أشرف البواعث ؛ الحب لله وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه وهو مطلع عليه مع مشاهدة ما يخطر بقلبه وأن تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة فتحمله لذة المناجاة بالحبيب على طول القيام. ولا ينبغي أن يستبعد هذه اللذة إذ يشهد لها العقل والنقل.
" قيام الليل شرف المؤمن " ... كما ورد في الحديث الشريف . ومن كثرت صلاته بالليل ، حسن وجهه بالنهار ... كما يقول الحسن البصري ، رحمه الله تعالى .
وشكى رجل للحسن البصري رحمه الله تعالى ، عدم استطاعته القيام بالليل ، فقال له الحسن : قيدتك ذنوبك .وسئل الحسن البصري رحمه الله ، ما بال المتهجدين بالليل ، من أحسن الناس وجوها ؟ فقال: خلو مع الله ، فكساهم الله من نوره ... و كان هارون الرشيد رحمه الله تعالى ، لا ينام ، حتى يصلي كل ليلة مئة ركعة ... وذلك منذ ولي الخلافة ، إلى حين وفاته ، رحمه الله تعالى .كما كانت السيدة التقية رابعة العدوية ، رحمها الله تعالى ، تصلي في كل ليلة ، ( 400 ) ركعة .وكان عامر البصري رحمه الله تعالى ، يصلي في كل ليلة ألف ركعة ... كما ورد عنهم في كتب التراجم والسير.وكانت المرأة من السلف الصالح ، تقول لزوجها : هل تريد مني شيئا ؟ فإذا لم يرد منها شيئا ، تقول له : هل تأذن لي في قيام الليل ؟ ، فيأذن لها ، فتصلي إلى الفجر !!!
فأين نحن من هذا وذاك وتلك ؟! يا حسرة علينا ، على ما فرطنا ، في حق ربنا ، وحق أنفسنا ... غفرانك اللهم ، بعبادك الضعفاء العاجزين ، المذنبين المقصرين ... ولكن ... وعلى أقل تقدير ... وكما قال الهادي البشير الرؤوف الرحيم بأمته ، [سجل معنا ليظهر الرابط] : "مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ" ... اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، ولا تجعلنا من الغافلين ... اللهم تب علينا يا رب ، وتجاوز عنا واعف عنا وارحم تقصيرنا ... اللهم آمين ...
قال الفضيل بن عياض: إذا غربت الشمس فرحت بدخول الظلام لخلوتي فيه بربي، فإذا طلع الفجر حزنت لدخول الناس علي .
وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا
وقال أيضاً: لو عوض اللّه عزّ وجلّ أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدونه في قلوبهم من اللذة لكان ذلك أكبر من أعمالهم
وقال بعض العلماء: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملّق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة،
وقال بعضهم: قيام الليل والتملّق للحبيب والمناجاة للقريب في الدنيا ليس من الدنيا هو من الجنة أظهر لأهل اللّه تعالى في الدنيا، لا يعرفه إلا هم، ولا يجده سواهم روحاً لقلوبهم
وقال عتبة الغلام: كابدت الليل عشرين سنة، ثم تنعمت به عشرين سنة وقال يوسف بن أسباط: قيام ليلة أسهل علي من عمل قفة وكان يعمل كل يوم عشر قفاف
وقال غيره: ما رأيت أعجب من الليل إذا اضطربت تحته غلبك، وإن ثبت له لم يقف
وبكى عامر بن عبد اللّه حين حضرته الوفاة فقيل له ذلك فقال: واللّه ما أبكي حباً للبقاء ولكن ذكرت ظمأ الهواجر في الصيف وقيام الليل في الشتاء
وقال ابن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة
وقال بعض العارفين: إن اللّه عزّ وجلّ ينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها أنواراً فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنشر من قلوبهم العوافي إلى قلوب الغافلين.
فوائد قيام الليل
******
وفي قيام الليل من الفوائد جملة ، فلا ينبغي لطالب العلم أن يفوته منها شيء
الأول : أن يحط الذنوب كما يحط الريح العاصف الورق اليابس من الشجرة .
الثاني : أنه ينور القلب .
الثالث : أنه يحسن الوجه .
الرابع : أنه يذهب الكسل ، وينشط البدن .
الخامس : أن موضعه تراه الملائكة من السماء كما يتراءى الكوكب الدري لنا في السماء .
وقد روى الترمذي عن بلال ، وأبي أمامة قالا : إن رسول الله [سجل معنا ليظهر الرابط]قال : {عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ} .
وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله [سجل معنا ليظهر الرابط] : {مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ}.
هذا والله أعلم
ونسال الله أن يجعلنا من هؤلاء الذين كانوا قليلا
من الليل ما يهجعون

عابرة سبيل
10-09-2022, 05:06 PM
[سجل معنا ليظهر الرابط]