مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد في اختصار المقاصد ( 2 )


محمد فرج الأصفر
08-19-2014, 10:06 AM
[سجل معنا ليظهر الرابط]

فصل في الناجز والمتوقع من المصالح والمفاسد

المصالح والمفاسد ضربان أحدهما ناجز والثاني متوقع
فقتل المؤذيات عند صيالها مفسدة للصائل فآخره مصلحة للمصول عليه ناجزة ولو لم يصل لكان قتلها مفسدة ناجزة لها درءا لمفسدة متوقعة منها والتداوي من الأمراض دفع لمفسدة ناجزة أو تحصيل لمصلحة ناجزة وشرب الأدوية المرة تحصيل لمصلحة ناجزة أو درء لمفسدة ناجزة وقتال الكفار والبغاة والممتنعين من أداء الحقوق درء لمفسدة ناجزة والأمر بالمعروف تارة يكون لمصلحة كالأمر بالواجبات على الفور وتارة يكون لمصلحة متوقعة أكثر من الناجزة والإمامة العظمى وسيلة إلى جلب المصالح الناجزة والمتوقعة وإلى دفع المفاسد الناجزة والمتوقعة وكذلك القضاء والشهادة وإعانة الأئمة والحكام على ما يتولونه من ذلك ومصالح الأئمة منها أخروية ومصالح المتولي عليهم تنقسم إلى دنيوية وأخروية وكذلك الولايات في الأمور الخاصة كقلع عين الناظر إلى الحرم في البيوت دفعا لمفسدة النظر إلى الحرم بمفسدة قلع العين
والعقوبات الشرعية كلها مفسدة ناجزة في حق العاقب لأنها عامة له موطئة مصلحة لزجره وزجر أمثاله في الاستقبال والغالب تفاوت العقوبات بتفاوت المفاسد

والنفقات مصلحة للمنفق عليه عاجلة وللمنفق آجلة والإعتاق مصلحة ناجزة للمعتق آجلة للعتق ويتوقع منه مصلحة الولايات بالإرث وملك جارية الابن بإحبال الأب مفسدة في حق الابن مصلحة للأب لا أعرف شاهدا لها بالاعتبار
وأبواب المعروف ضروب الإحسان كلها دقها وجلها مصالح دنيوية أو أخروية في حق المبذول له أخروية في حق باذلها يختلف آخرها باختلاف فضلها وشرفها فأدناها مثقال ذرة من الخير
والمنهيات كلها دقها وجلها من مثقال ذرة فما فوقها مفاسد في حق مرتكبيها إما عاجلة أو آجلة ووزرها متفاوت بتفاوت قبحها وأدناها مثقال ذرة
والإساءة إلى الناس دقها وجلها مفاسد في حق المساء إليه في العاجل مكفرة لذنوبه في الآجل موجبة للأخذ من ثواب حسنات المسيء وهاتان مصلحتان عظيمتان فإن رضي المصاب بذلك أو جبر عليه حصل على أجر الصابرين والراضين ولذلك فرح الأكابر بالبلاء كما يفرحون بالرخاء
والنذر مصلحة للناذر في الآجل يتفاوت أجرها بتفاوت شرفها فإن كان المنذور مختصا بالناذر كالأذكار والحج والعمرة والطواف والاعتكاف كان مصلحة آجلة فإن تعدى نفعه إلى غيره فقد يكون في دين المبذول له وقد

يكون في دنياه وقد يكون فيهما وإن كان في أخراه كان مصلحتهما أخرويتين ويتفاوت أجر ذلك بتفاوت ما يجلبه من مصلحة أو يدرؤه من مفسدة
والكفارات إحسان جائز لما فات من المصالح بارتكاب مهماتها فكفارات الحج بالأسباب الجائزة إذ الواجبة جائزة لما فات من تكميل الحج ومصلحتها آجلة للمكفرات إن كانت بالقيام وإن كانت بالمال فهي آجلة لباذلها عاجلة لمن تبذل له وكفارة اليمين الواجب منها أو المباح أو المندوب جائزة لإخلاف الحلف وهي مفسدة مقتضية للتحريم لكن الشرع أباحها لمسيس الحاجة إلى الإخلاف بمجبر ذلك الإخلاف بالكفارة وإن كان في الكفارة أجر فالجبر أغلب ولذلك يجب مع انتفاء المأثم كما تجب الزكوات وأبدال العبادات
والحجر مفسدة في حق البالغ العاقل لكنه جائز في حق العبد والمريض والمفلس تقديما لمصلحة السيد والورثة وغرماء المفلس على مصلحة المحجور عليه وهو في حق السفيه لمصلحته
وحجر الصبي والمجنون مصلحة لا يقترن بها مفسدة وسقوط القضاء عن الأصول وفروع الفروع مصلحة لهم مفسدة في حق الفروع
وقتل المسلم بالكافر والحر بالعبد مفاسد يأنف منها العاقل بخلاف قتل الرجل بالنساء والصلح مع الكفار فيه مصلحة حفظ حقوق المسلمين وحقن دمائهم وفيه مفسدة الكفر فيجوز في أربعة أشهر ولا يجوز في أكثر من

سنة لكثرة المفسدة وفيما بينهما خلاف لتردده بينهما ويجوز عند ضرورة المسلمين وخوفهم عشر سنين لفرط مصلحة وعظم المفسدة في تركه وعقوبات الشرع كلها مفاسد للمعاقب لأجل إيلامها لكن رجحت مصالح الزجر في حقه وحق غيره فأحلت وهي مصالح لها من جهة أنها روادع وكفارات وكذا قتال الكفار والبغاة والممتنعين من أداء الحقوق بالقتال درءا لمفسدة
والحوالة مصلحة للمحيل ببراءة ذمته فإن كان المحال عليه أحسن قضاء كان ذلك مصلحة للمحتال وإن كان سيء القضاء فإن ذلك مفسدة جائزة التحمل
والوقف مصلحة أخروية فإن شرط النظر لنفسه أثبت على الوقف وعلى النظر وإن وصى به إلى أقوم به وأفضل وقفه يتفاوت أجر مصارفه وقد تكون مصالح مصارفه دنيوية وأخروية والوقف المتصل أفضل من المنقطع عند من صحح المنقطع
وفي الوصايا مصلحتان أحدهما للموصي في الآجل وهي مختلفة باختلاف رتب الموصى به البائنة للموصى له وهي ضربان أحدهما:
ما لم يوقف على شرط فمصلحته إلا أن يصرفه الموصى له في شيء من القربات فتكون مصلحته آجلة
الضرب الثاني
ما تعلق استحقاقه على قربة كالوصية للحجاج والغزاة والفقهاء والقراء فيكون مصلحة الموصى له عاجلة وآجلة
والدعاء مصلحة يترتب عليها مصلحة الإجابة وهو متوقع والإجابة بجلب مصالح أو بدرء مفاسد أو بهما
وإفشاء السلام مصلحة يترتب عليها مصالح المحبة
وإطابة الكلام مصلحة يترتب عليها مصالح تأليف القلوب
وعيادة المرضى مصلحة يترتب عليها جبر المريض وإثابة العائد والعمل والتكفير
والحمل والدفن مصالح يترتب عليها إكرام الميت وجبر قلوب أهله وإثابة فاعل ذلك
والصلاة على الميت مصلحة آجلة للمصلي والمصلى عليه أما للمصلي فبالثواب وأما للمصلي عليه فبجلب مصالح الآخرة ودرء مفاسدها لقوله عليه الصلاة والسلام اللهم عافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله ففي قوله عافه وأكرم نزله ووسع مدخله جلب لمصالح الآخرة والتعزية مصلحتها للمعزي أجر الآخرة لأن من عزى مصابا فله مثل أجره ولأهل الميت بالتسلية بحسن الصبر أو الرضا بالقضاء
والصبر على البلاء وما يرجى من إجابة الدعاء وإطعام أهل الميت وبذل الأموال كلها والمنافع بأسرها إذا أريد بها وجه الله تعالى فيها مصلحتان إحداهما للباذل أخروية فإن كان يرتاح إلى العطاء فطوبى له وإن كان ممن يشح بنفسه فجاهد نفسه حتى بذلها فله أجران إحداهما على جهاد نفسه والثاني على بذلها المصلحة الماسة للمبذولة وهي مصلحة عاجلة ولذلك كانت اليد العليا خيرا من اليد السفلى لأن مصلحتها أخروية دائمة ومصلحة اليد السفلى دنيوية منقطعة
وفي الصلح فائدة أخروية للمسامح ودنيوية للمسامح وللمتوسط بينهما أجر المسبب إلى المصلحتين
ومن توكل تبرعا كانت مصلحته أخروية ومصلحة الموكل دنيوية وإن توكل بجعل كانت المصلحتان دنيويتين إلا أن سامح ببعضها ومن توكل في طاعة كالحج والعمرة فإن تبرع كانت المصلحة أخروية ومصلحة الوكيل دنيوية وإن شرط عوض المثل وسامح في العوض كانت مصلحته دنيوية وأخروية
والعارية مصلحة أخروية للمعير إذا قصد بذلك وجه الله سبحانه دنيوية للمستعير وقد تكون أخروية من الطرفين كاستعارة سلاح الجهاد وجننه وجمله واستعارة المصاحف وكتب العلم والحديث
وكذلك القرض مصلحة أخروية للمقرض إذا قصد به وجه الله عز وجل دنيوية للمقرض إن صرفه في مصالح دنياه وإن صرفه في مصالح أخراه صارت مصلحة القرض أخروية من الطرفين
والإباحات والضيافات مصالحها لباذلها أخروية إذا قصد بها وجه الله ولقابليها دنيوية
وأما إطعام المضطرين ودفع الصوال عن الضعفاء وإنقاذ الغرقى وتخليص كل مشرف على الهلاك كلها أخروية لمن قصد بها وجه الله عز وجل ودنيوية للمنقذ من ذلك الضرب وأجور هذه الوسائل أفضل من مقاصدها دنيوية فائتة وأجور وسائلها أخروية باقية
وأما الشفاعات فمصالحها للشافعين أخروية إذا قصدوا بذلك وجه الله عز وجل
وأما المشفوع لهم فإن كانت الشفاعة في أمر دنيوي فهي دنيوية وسيلتها خير منها وإن كانت أخروية كمن يشفع تعليم علم أو إعانة على عبادة من العبادات كالجهاد والحج فهي للمشفوع له أخروية وأجر المشفوع إليه أفضل من أجر الشافع لأن الشافع مسبب والمشفوع إليه مباشر والمقاصد أفضل من الوسائل

فصل في بيان الحقوق
والحقوق أربعة
حق الله تعالى على العباد
وحق لكل عبد على نفسه
وحق لبعض العباد على بعض
وحق للبهائم على العباد

وهي منقسمة إلى
فرض عين
وفرض كفاية
وسنة عين
وسنة كفاية

وليس في حق العبد على نفسه فرض كفاية ولا سنة كفاية
فمن الحقوق ما يكون أخرويا محضا كالعرفان والإيمان والنسكين والطواف والاعتكاف
ومنها ما يكون دنيويا محضا كلذات المآكل والمشارب والملابس والمناكح
ومنها ما يكون أخرويا لباذليه دنيويا لقابليه كالإحسان بدفع المباح أو بالإعانة عليه فصل في كذب الظن في المصالح والمفاسد
كذب الظنون نادر وصدقها غالب ولذلك يبنى جلب مصالح
الدارين ودفع مفاسدهما على ظنون غالبة متفاوتة في القوة والضعف والتوسط بينهما على قدر حرمة المصلحة والمفسدة ومسيس الحاجة
فمن بنى على ظنه في المصالح والمفاسد ثم ظهر صدق ظنه واستمر ظنه بذلك فقد أدى ما عليه
وعلى الجملة فالزكوات والكفارات والعمرى والرقبى والأوقاف والوصايا والهبات والعواري وجميع ما ينفع الناس من أصناف التبرعات والمندوبات والواجبات يختلف شرف ذلك باختلاف شرف المبذول وفضله
ومن أتى مصلحة يظنها أو يعتقدها مفسدة كبيرة ثم بان كذب ظنه فقد فسق وانعزل عن الشهادات والروايات والولايات ولا يحد عليها لأنه لم يتحقق المفسدة وكذلك لا يعاقب عليها في الآخرة عقاب من حقق المفسدة
ومن أتى مفسدة يعتقدها أو يظنها مصلحة واجبة أو مندوبة أو مباحة فلا إثم عليه لظنه وترتب على تلك المفسدة أحكامها اللائقة بها من تغريم وغيره

فصل فيما يترك من مصالح الندب والإيجاب لما يتعلق به من عذر أو مفسدة
فمن ذلك الصلاة نهى عنها في الأوقات الخمسة والأماكن السبعة ويجب تركها بالإكراه بالقتل
ومنها الأذان وقراءة القرآن وإغاثة اللهفان وكسوة العريان وسقي الظمآن وإطعام الجوعان وإكرام الضيفان وإرفاق الجيران وإرشاد الحيران يترك جميعها بالأعذار ويجب تركها بالإكراه بالقتل
وكذلك تأخير الصلاة عن الأوقات وتأخير الصيام يجوزان بالأعذار كالأمراض والأسفار ويجب تركهما بالإكراه بالقتل
وكذلك الجهاد يترك بالأعذار ويجب تركه بالإكراه بالقتل وإذا علم الغازي أنه يقتل من غير نكاية في الكفار وجب الانهزام
ومن ذلك تأخير الزكاة إذا وجبت والشهادة إذا طلبت والفتيا إذا أفتيت والحكم إذا سئل يجوز تأخيرها بالأعذار ويجب تركها بالإكراه بالقتل
وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتركان بالأعذار ولا يحرمان عند الإكراه بالقتل إذا كان المأمور به والمنهي عنه تافها
وكذلك يحرم الصدق الضار كما يجب الكذب النافع في بعض الأطوار فصل فيما يرتكب من المفاسد إذا تعلقت به مصلحة إباحة أو ندب أو إيجاب
إذا اقترن بالمفاسد المحرمة مصلحة ندب إو إباحة أو إيجاب زال تحريمها إلى الندب أو الإباحة أو الإيجاب ولا تخرج بذلك عن كونها مفاسد
كما أن ما يترك من المصالح وجوبا أو ندبا أو جوازا لأرجح منه أو لما يتعلق به من مفسدة أو مفاسد لا يخرج عن كونه مصلحة
فمن ذلك الكفر القولي والفعلي يباحان بالإكراه مع طمأنينة القلب بالإيمان
وكذلك القتل يجب بالكفر البغي والصيال على النفوس والأبضاع ويجوز الصيال على الأموال
وكذلك الجرح والقطع يجوزان بالقصاص ويجبان بالسرقة والمحاربة وفي واجب القتال
وكذلك هتك الأستار وإفشاء الأسرار يجب بالجرح في الشهادات والروايات والولايات وكشف العورات وإظهار السوءات للاستمتاع والتطبب ويجب كشف السوءات لأجل الختان
وكذلك تخريب الديار وتحريق الأشجار وشق الأنهار جائز في حق الكفار
وكذلك التولي يوم الزحف جائز بالأعذار
وكذلك قتل النساء والصبيان إذا قاتلوا أو تترس بهم الكفار
وكذلك الإرقاق والإحراق والإغراق في حق الكفار
وكذلك الإقتار والإملاق لوفاء ديون الغرماء
وكذلك التولي يوم الزحف جائز بالأعذار
وكذلك الحبس جائز في الديون والتعزيرات ويجب إذا طلب الغرماء من الحكام
وكذلك يجب حبس الجناة إذا غاب المستحق أو كان مجنونا أو صغيرا
وكذلك يجب النفي في زنا البكر ويجوز التعزير
وكذلك يجب الرجم بزنا المحصن ويجوز بالقصاص
وكذلك يجب التحريق والتغريق في القتال الواجب ويجوز في القتال الجائز كالصيال
وكذلك يجوز الكذب للإصلاح ويجب حفظا للدماء والأمانات والأبضاع
وكذلك شهادة الزور والحكم بغير حق يجبان بالإكراه بالقتل إذا لم يكن المشهود به من الدماء والأبضاع
وكذلك القذف يجوز للزوج إذا رأى امرأته تزني ويجب إذا علم أن الولد الملحق به ليس منه
وكذلك السرقة تجوز بالضرورة وفي الظفر بجنس الحق وبغير جنسه
وكذلك أكل مال اليتيم يجوز للضرورة بل يجب بها وبالإكراه بالقتل
وكذلك السحر يجب بالإكراه إذا لم يوجب هلاكا في نفس ولا طرف
وكذلك النهب والغصب يجبان بالضرورة والإكراه
وكذلك إفساد الأموال يجوز للحاجات والضرورات ويجب بالإكراه
وكذلك العقوق يجوز بإكراه خفيف ويجب بالإكراه بالقتل
والشريعة طافحة بهذا وأمثاله كثيره
هذا والله أعلم

عابرة سبيل
01-02-2022, 06:21 PM
[سجل معنا ليظهر الرابط]