مشاهدة النسخة كاملة : (( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ))


محمد فرج الأصفر
08-23-2014, 09:11 PM
[سجل معنا ليظهر الرابط]


وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا


الحمد لله الذي أتم إصلاح هذه الأرض برحمته ونعمته، وفضله على خلقه،
حين أراد بهم رشداً، فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه متضمنة من البينات والهدى
ما تكفل لهم به سبحانه من أسباب السعادة في العاجلة والآجلة، وعداً منه حقاً.
وأصلى وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله بيته الطاهرين ،
وأصحابه الميامين ، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعــــد
لا شك أنَّ الإفساد في الأرض بعد إصلاحها من أعظم الذنوب وأقبحها، وأشدها إيغالاً في الشر وإمعاناً في المنكر. وإن للإفساد في الأرض صوراً كثيرة وألواناً عديدة لا تكاد تعد ولا تحصى، فأكبر الإفساد بعد الشرك بالله، هو قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ثم هتك الأعراض وهدم الممتلكات وترويع الآمنين، وما يحدث من مجريات الأحداث في بلاد الإسلام وخاصة في بعض الدول العربية مثل اليمن وسوريا وأخيراً مصر لتزفر منه العيون بالدموع وتنزف به القلوب بالدماء. بسبب ما يحدث في هذه الأمة من تشرذم وتفكك وهتك للحرمات، وشق لعصا جماعة المسلمين وتفريقهم وتأجيج الخلاف بينهم ، والمصيبة الكبرى سفك الدماء فيما بينهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .


لقد تكالبت قوى الشر على شعب سوريا الجريح من الخارج متمثلا في حزب الشياطين في لبنان مع دولة الروافض في فارس بمساعدة حزب البعث العلوي المجرم في الداخل،الذي استحل الدماء، وهتك الأعراض، والتمثيل بجثث الأطفال الأبرياء ودمر البلاد، على يد جيش نظام الذي لا بشار ولا أسد. هذا الجيش الذي بلغ
في الجرم عتيا، وتربي منهم من تربى على الشرك العلوي، فيقول قائل ( لو تخلت الملائكة عن الله لن نتخلى عن بشار) أعوذ بالله من الكفر البواح ، وأخر (يسب الذات الإلهية) في مناظرة فضائية، ويقف المجتمع الدولي صامتا لا يحرك ساكنا ،فهو شريك في المجازر الليلية والنهارية في حمص ودرعا وحماة ودمشق ، وأصبح في كل بيت شهيد أو جريح ، وإلى الله المشتكى.
قال تعالى:( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياهافكأنّما أحيا النّاس جميعاً)المائدة:32
وقال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النّفس التي حرّم الله إلا بالحق) الفرقان: 68
وإنًّ من العجيب أن نرى الدبابات والمدرعات والقنابل موجهة إلى صدور الشعب المسلم السني المسالم في سوريا، ولم تُطلق طلقة واحدة على يهودي في الجولان المحتل، ويُقتل العشرات في ظل هذا النظام العميل لليهود المجرمين والروافض الطامعين.
الإفساد في الأرض وأحداث مصر:
أما ما يحدث في مصر فالظروف تختلف فهي أشد تعقيداً، بسبب الفساد الذي خلفه النظام السابق في كل شيء سواء في سلوكيات الناس إلا من رحم ، أو في مؤسساته
فلا يزال هناك حرب ضروس قائمة مابين النظام القديم وأذنابه (الثورة المضادة)، وما بين من يريدون المحافظة على مكتسبات الثورة، ورفع الظلم، وتوفير العيش والحياة الكريمة في أبسط معانيها، من أمن وغذاء ودواء.
ومما لا شك فيه بأن المخططات في الخارج والداخل تحاك لهذا البلد وأهله، حتى لا يفيق من كبوته، ويظل في عثرته، لنهب خيراته، وعدم محاسبة الفاسدين.
وتتوالى الأحداث والمواجهات وتزهق الأرواح منذ أول أيام الثورة إلى الآن، ويدب الذعر والرعب بين الناس لضياع الأمن والأمان، فتسمع عن خطف للأطفال والنساء
وسطو مسلح على بنوك ومصارف، وسرقة للسيارات، وقطع طرق عامة وسكك حديدية، وإغلاق منافذ حيوية، ووقفات فئوية لمصالح شخصية، تخسر البلد فيها ملايين الجنيهات، ثم أخيراً استغلال مباراة كرة قدم، لترويع الآمنين، وقتلت الأبرياء
وتحطيم الممتلكات، ومواجهات مابين فئة من البلطجية المستأجرين الذين طمس الله على قلوبهم وأعمي أبصارهم، لإحداث الهرج والمرج والفوضى في هذا البلد، ولمصلحة عصابة فاسدة وفئة ضالة من الحزب الوطني المنحل، ورجال أعمال منتفعين، وجهاز منحل، وكل من كان له الصولة والقوة والجولة في العهد السابق، وجاءت الثورة، لتكشف فساده ، وقد نسيت هذه الفئة رب البرية، وأنهم بين يديه واقفين وعلى أفعالهم مسؤولين. بسبب ما أحدثوا من قتل وسلب ونهب وإفساد في الأرض.
قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة: 33
وقال تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً) النساء: 93
وقال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً) الإسراء: 33
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) متفق عليه.
وعن ابن عباس قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم : ((يقول يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبباً قاتله باليد الأخرى، تشخب أوداجه دماً حتى يأتي به إلى العرش فيقول المقتول: يا رب هذا قتلني، فيقول للقاتل: تعست - أي هلكت - ويذهب به إلى النار) رواه الترمذي وحسنه والطبراني في الأوسط
وعن أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولِ اللَّهِ قَال: ((لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) رواه الترمذي
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلمك( قال من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) صحيح رواه أبو داود
فأين هؤلاء من وعيد الله تبارك وتعالى لمن سفك الدماء وعظمها وحقها عنده سبحانه وتعالى يوم القيامة، وفضحهم والقصاص منهم فأي مشهد مثل هذا الخزي والخسران على رؤوس الأشهاد.
وظيفة الإنسان في الأرض:
إن الله عز وجل حينما خلق الإنسان كان له وظيفتان:
أولا: عبادة الله تبارك وتعالى
قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات: 56
وثانيا: استخلاف الله له في الأرض من أجل التعمير والبنيان.
وهو أنواع منها:
1ـ الاستخلاف عام:
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة: 30
أي إني خالق في الأرض خليفة في إمضاء أحكام الله عز وجل وأوامره، وتحريم ما حرم والنهي عما نهى ونشر شريعته وإطاعة رسوله، وعمارة الأرض ونشر الصلاح والخير بين الناس. ولما سمعت الملائكة بالخليفة وقد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء في الأرض. وقد فهموا أن في بني آدم من يفسد ; إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد ، لكن عمموا الحكم على الجميع بالمعصية، فبين الرب تعالى أن فيهم من يفسد ومن لا يفسد وأنه يعلم ما لا يعلمون.إن الفساد وسفك والدماء كان موجوداً على الأرض قبل خلق آدم عليه السلام وسوف يستمر على الأرض، ولما أراد الله عز وجل إنهاء هذا الفساد شرع الخلافة التامة الكاملة على الأرض التي تخلو من كل فساد وسفك دماء ليتحقق الرد الإلهي على الملأ بقوله "إنّي أعلم ما لا تعلمون" وقوله بعد نجاح اختبار آدم بالمعرفة والبرهنة على قدرته العقلية التطورية "ألم أقل لكم أني أعلم غيب السماوات والأرض"
2ـ الاستخلاف التكليفي:
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور: 55
3ـ الاستخلاف الخاص:
قال تعالى: (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) ص: 22
4ـ الاستخلاف الاجتماعي:
قال تعالى: (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} الأعراف : 133
5ـ الاستخلاف التكويني:
قال تعالى: {ثم جعلناكم خلائف من بعدهم لننظر كيف تعملون} يونس:65
شروط الاستخلاف:
ولكي يتحقق الاستخلاف الذي أراده الله عز وجل على عباده، شروط منها (الأيمان الصادق والعمل الصالح والاختبار والتمحيص) وأهمها كمال العبادة مع الخضوع الكامل الشامل له سبحانه وتعالى من فراش الزوجية إلى العلاقات الدولية ، فإذا تحقق ذلك كان موعود الله عز وجل لعباده ( بالاستخلاف والتمكين والأمن).فكيف يحدث هذا في أمة غلبت عليها الأهواء والشهوات ونسوا رب الأرض والسموات؟ وكيف يحدث هذا مع انتشار الجهل والأمية، والمحسوبية والمصالح الشخصية ؟ كيف يحدث هذا في أمة تخلفت عن ركب الأمم بسبب الانحطاط في أخلاقها وعدم توقير نبيها صلى الله عليه وسلم ونحت شرع ربها؟.
طريق النجاة مما نحن فيه من فتن ومحن:
إنَّ ما يحدث الآن على أرض مصر ليس بمستبعد، فهو نتيجة الفرقة وتقديم المصالح الشخصية على المصالح الدينية والوطنية تجاه تراب هذا البلد وأهله والولاء للإفراد لتحقيق المنافع الشخصية الدنيوية الزائلة .
والحل:أنَّ نتجرد من أي انتماء شخصي أو حزبي ونجعل تجردنا لله وحده سبحانه وتعالى ولهذا الدين ونعمل ما يأمرنا به الشرع الحنيف تجاه البلاد والعباد
من إصلاح وتعمير وتأليف ورحمة ومودة وقربى وأمن وأمان ،ونتقارب لنسد الفجوة وننزع الفرقة ،ونعمل على قلب رجل واحد لحماية بيضة الدين والأرض والعرض والممتلكات والرجوع إلى رب الأرض والسموات لكشف هذه الغمة والخروج من هذه الفتنة والمحنة، والله على كل شيء قدير.
وعلى العقلاء في هذا البلد من علماء وطلبة علم ودعاة وقادة ومثقفين وإعلاميين وشخصيات عامة كل حسب موقعه أن يقوموا جميعا قومة رجل واحد الآن لتبصير الناس ودرء الفتن والإشاعات ، لتهدئة الأمور، وكذلك على أولياء الأمور التعجيل في كشف المستور ومعرفة من وراء هذه الأحداث، ومحاسبة من قام وخطط ودفع ونفذ وأفسد والضرب بيد من حديد بكل عدل ، لينال الباغى جزاءه بما فعل ويكون عبرة للمعتبرين
ونسأل الله أن يحفظ مصر وبلاد المسلمين من المحن والفتن والنقم والبلاء والوباء
وأن يردها إلى ربها ردا جميلا ويعم الأمن والأمان والخير والاطمئنان
إنه ولي ذلك والقادر عليه

عابرة سبيل
12-11-2021, 10:49 PM
[سجل معنا ليظهر الرابط]