الموضوع:
حُكم الشرع في تعدد الفرق والجماعات في الأمة
عرض مشاركة واحدة
مشاركة رقم :
1
08-20-2022
عابرة سبيل
رقم العضوية : 933
تاريخ التسجيل : Jul 2021
الدولة : الوطن العربي
المشاركات : 3,254
بمعدل : 2.36 يوميا
معدل تقييم المستوى :
7
المستوى :
المنتدى :
الفتاوى الشرعية
حُكم الشرع في تعدد الفرق والجماعات في الأمة
عِبَادَ اللهِ !
إِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا
بَيَّنَ لَنَا طَرِيقًا وَاحِدًا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْلُكُوهُ
وَهُوَ صِرَاطُ اللهِ الْمُسْتَقِيمُ وَمَنْهَجُ دِينِهِ الْقَوِيمُ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-:
{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ الأنعام : 153].
فَالْوَاجِبُ عَلَى عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ: تَوْضِيحُ الْحَقِيقَةِ، وَمُنَاقَشَةُ كُلِّ جَمَاعَةٍ،
وَنُصْحُ الْجَمِيعِ بِأَنْ يَسِيرُوا فِي الْخَطِّ الَّذِي رَسَمَهُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ
وَدَعَا إِلَّيْهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ
وَمَنْ تَجَاوَزَ هَذَا بِأَنْ يَسِيرُوا فِي الْخَطِّ الَّذِي خَطَّهُ
الشَّيْطَانُ لَهُمْ، فَأُولَئِكَ الْوَاجِبُ التَّشْهِيرُ بِهِمْ، وَالتَّحْذِيرُ مِمَّنْ عَرَفَ الْحَقِيقَةَ؛ حَتَّى
يَتَجَنَّبَ النَّاسُ طَرِيقَهُمْ
وَحَتَّى لَا يَدْخُلَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ فَيُضِلُّوهُ
وَيَصْرِفُوهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي أَمَرَنَا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِاتِّبَاعِهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ كَثْرَةَ الْفِرَقِ وَالْجَمَاعَاتِ فِي الْبَلَدِ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَحْرِصُ
عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ أَوَّلًا وَأَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْإِنْسِ ثَانِيًا.
فَمَا هُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ فِي تَعَدُّدِ الْجَمَاعَاتِ وَالْأَحْزَابِ وَالتَّنْظِيمَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛
مَعَ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِيمَا بَيْنَهَا فِي مَنَاهِجِهَا وَأَسَالِيبِهَا، وَدَعَوَاتِهَا وَعَقَائِدِهَا، وَالْأُسَسِ
الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهَا، وَخَاصَّةً أَنَّ جَمَاعَةَ الْحَقِّ وَاحِدَةٌ
كَمَا دَلَّ الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ عَلَى ذَلِكَ؟
وَالْجَوَابُ: لَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُنَا الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ أَنَّ التَّحَزُّبَ وَالتَّكَتُّلَ
فِي جَمَاعَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَفْكَارِ أَوَّلًا، وَالْأَسَالِيبِ ثَانِيًا؛ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ؛
بَلْ نَهَى عَنْهُ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، مِنْهَا :
قَوْلُهُ تَعَالَى :
{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ(32)}
[الروم:32،31].
وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَيَّ جَمَاعَةٍ يُرِيدُونَ بِحِرْصٍ بَالِغٍ وَإِخْلَاصٍ للهِ
-عَزَّ وَجَلَّ-؛ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوامِنَ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ، فَلَا سَبِيلَ لِلْوُصُولِ إِلَى ذَلِكَ
وَلَا إِلَى تَحْقِيقِهِ عَمَلِيًّا فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ إِلَّا بِالرُّجُوعِ
إِلَى الْكِتَابِ، وَإِلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ
وَإِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُنَا
الصَّالِحُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.
وَلَقَدْ أَوْضَحَ رَسُولُ اللهِ
الْمَنْهَجَ وَالطَّرِيقَ السَّلِيمَ؛ بِأَنْ خَطَّ ذَاتَ
يَوْمٍ عَلَى الْأَرْضِ خَطًّا مُسْتَقِيمًا وَخَطَّ حَوْلَهُ خُطُوطًا قَصِيرَةً عَنْ
جَانِبَيِ الْخَطِّ الْمُسْتَقِيمِ.
لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الطُّرُقَ الْقَصِيرَةَ هِيَ الَّتِي تُمَثِّلُ الْأَحْزَابَ وَالْجَمَاعَاتِ
وَالتَّنْظِيمَاتِ الْعَدِيدَةَ؛ وَلِذَلِكَ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَرِيصٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ
حَقًّا مِنَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ أَنْ يَنْطَلِقَ سَالِكًا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ،
وَأَلَّا يَأْخُذَ يَمِينًا وَلَا يَسَارًا.
وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ مَا يُبِيحُ الْجَمَاعَاتِ وَالْأَحْزَابَ وَالتَّنْظِيمَاتِ؛
بَلْ إِنَّ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ذَمَّ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى :
{ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }
[ المؤمنون :53 ].
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْزَابَ تُنَافِي مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ؛ بَلْ مَا حَثَّ عَلَيْهِ
فِي
قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا- : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }
[الأنبياء: 92 ].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
[ الفاتحة: 7،6 ]
وَالَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَيْهِمْ بَيَّنَهُمْ
فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَوَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [ النساء: 69 ].
فَالَّذِينَ جَعَلُوا مَنْهَجَهُمْ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ
وَعَمِلُوا
بِقَوْلِهِ
«فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي؛ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا،
فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ من بعدي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا
بِالنَّوَاجِذِ،وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ».
هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا عَدَاهُمْ مِنَ الْجَمَاعَاتِ وَالْفِرَقِ وَالتَّنْظِيمَاتِ
مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ؛ مُشَاقُّونَ لِلسُّنَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَا اعْتِبَارَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ
كِتَابَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَيُخَالِفُونَ سُنَّةَ الرَّسُولِ
وَهَؤُلَاءِ يَخْتَلِفُونَ فِي بُعْدِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَقُرْبِهِمْ مِنْهُ، وَكُلُّ هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ،
وَكُلُّ هَذِهِ التَّنْظِيمَاتِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْفِرَقِ تَحْتَ الْوَعِيدِ، وَكُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً،
كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ
وَالْجَمَاعَاتُ فِرَقٌ تُوجَدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِغَرِيبٍ؛
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ
: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً،
وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً،
وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً؛ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً».
فَوُجُودُ الْجَمَاعَاتِ، وَوُجُودُ الْفِرَقِ وَالتَّنْظِيمَاتِ أَمْرٌ وَاقِعٌ،
وَأَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللهِ
وَقَالَ: «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا»؛
وَلَكِنَّ الَّتِي يَجِبُ السَّيْرُ مَعَهَا وَالِاقْتِدَاءُ بِهَا : هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ،
وَهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ
لِأَنَّ الرَّسُولَ
لَمَّا بَيَّنَ هَذِهِ الْفِرَقَ؛ قَالَ : « كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً ».
قَالُوا: وَمَا هِيَ؟
قَالَ: « مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي ».
فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ.
فَالْجَمَاعَاتُ وَالتَّنْظِيمَاتُ وَالْفِرَقُ إِنَّمَا يَجِبُ الِاعْتِبَارُ بِمَنْ كَانَ مِنْهَا
عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ
وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا-
يَقُولُ : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [ التوبة: 100].
هَؤُلَاءِ هُمْ مِنَ الْجَمَاعَةِ، وَهِيَ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، لَيْسَ فِيهَا تَعَدُّدٌ وَلَا انْقِسَامٌ،
مِنْ أَوَّلِ الْأُمَّةِ إِلَى آخِرِهَا، هُمْ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ؛
{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }
[ الحشر:10 ].
هَذِهِ هِيَ الْجَمَاعَةُ الْمُمْتَدَّةُ مِنْ وَقْتِ الرَّسُولِ
إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ،
وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ،
وَأَمَّا مَا خَالَفَهُمْ مِنَ الْجَمَاعَاتِ، وَمِنَ الْفِرَقِ وَالتَّشْكِيلَاتِ
وَالتَّنْظِيمَاتِ؛ فَإِنَّهَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا؛ وَإِنْ تَسَمَّتْ بِـ( الْإِسْلَامِيَّةِ ) !!
كُلُّ مَا خَالَفَ؛ لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَنْتَمِيَ إِلَيْهِ، أَوْ نَنْتَسِبَ إِلَيْهِ.
لَيْسَ عِنْدَنَا انْتِمَاءٌ إِلَّا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِلَّا لِلتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [ الفاتحة:7،6 ].
وَالَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ بَيَّنَهُمْ فِي
قَوْلِهِ : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [النساء:69].
فَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَنْهَجَهُمْ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةَ رَسُولِهِ
، وَعَمِلُوا بِقَوْلِهِ
: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ؛ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ من بعدي
تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ».
فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُعْتَبَرُونَ حَقًّا، وَمَا عَدَاهُمْ مِنَ الْجَمَاعَاتِ وَالْفِرَقِ وَالتَّنْظِيمَاتِ؛
فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِمْ
بَلْ هِيَ جَمَاعَاتٌ مُخَالِفَةٌ، وَتَخْتَلِفُ فِي بُعْدِهَا عَنِ الْحَقِّ وَقُرْبِهَا مِنْهُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «فَأَمَّا الِانْقْسَامُ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ،
وَفِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَالِائْتِلَافِ
إِلَى الْفُرْقَةِ وَسُلُوكِ طَرِيقِ الِابْتِدَاعِ، وَمُفَارَقَةِ السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ؛ فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ،
وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَعَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
».
وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- سَمَّانَا فِي كِتَابِهِ: (الْمُسْلِمِينَ)، وَثَبَتَ فِي ((مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ))
أَنَّ النَّبِيَّ
قَالَ : «مَنْ دَعَا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَهُوَ جُثَاءُ جَهَنَّمَ ».
قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟
قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى، وَلَكِنْ تَسَمَّوْا بِاسْمِ اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ عِبَادَ اللهِ؛
الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ».
وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُعْرَفُ الِانْتِسَابُ إِلَّا إِلَى الْإِسْلَامِ آنَذَاكَ
، فَلَمَّا فَشَتِ الْبِدَعُ
وَانْتَشَرَتِ الْأَهْوَاءُ، وَاتَّكَأَ كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لَمْ يَجِدْ سَلَفُنَا الصَّالِحُ بُدًّا
مِنْ إِظْهَارِ أَلْقَابِهِمُ الشَّرْعِيَّةُ
الَّتِي تَمَيَّزُوا بِهَا عَمَّنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْمُضِلِّينَ، فَتَسَمَّوْا بِالْأَسْمَاءِ الْوَارِدَةِ فِي النُّصُوصِ
؛ كَـ(الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ)وَ(الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ)، كَمَا تَسَمَّوْا أَيْضًا بِمَا الْتَزَمُوا بِهِ
مِنَ الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ الَّتِي نَبَذَهَا
وَخَالَفَهَا غَيْرُهُمْ؛ كَـ(السَّلَفِ) وَ(أَهْلِ الْحَدِيثِ)، وَ(أَهْلِ الْأَثَرِ)
وَ(أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ).
*نَصِيحَةٌ لِلشَّبَابِ: لَا تَكُونُوا ضَحِيَّةً لِلْأَحْزَابِ وَالْجَمَاعَاتِ !
إِنَّ الْجَمَاعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةَ الَّتِي قَامَتْ عَلَى الْأُسُسِ الْبَعِيدَةِ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،
هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ انْشِقَاقٌ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَشَرُّهَا وَضَرَرُهَا أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ خَيْرِهَا.
فَهِيَ لَمَّا اخْتَارَتْ طَرِيقًا لَا يَنْتَمِي إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا يَنْهَلُ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
؛ دَخَلَ عَلَيْهَا النَّقْصُ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ الْمَشْبُوهَةِ
وَالتَّنْظِيمَاتِ الْمُحْدَثَةِ.
فَلَا تَكُونُوا -أَيُّهَا الشَّبَابُ- ضَحِيَّةَ أَمْثَالِهَا؛ فَوَاللهِ مَا حَلَّتْ فِي بَلَدٍ، وَنَفَثَتْ فِيهِ سُمُومَهَا
إِلَّا سَادَ فِيهِ التَّفَرُّقُوَالِاخْتِلَافُ، وَبَرَزَتْ الشَّحْنَاءُ وَالْبَغْضَاءُ بَيْنَ أَبْنَائِهَا، وَكَانُوا
قَبْلَ ظُهُورِهَا وَبُرُوزِهَا فِي عَافِيَةٍ وَسِتْرٍ، وَهِيَ سَبِيلٌ لِشَرْذَمَةِ الْمُسْلِمِينَ
وَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-
: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال :46 ].
{ رِيحُكُمْ } أي : قُوَّتُكُمْ.
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-:
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
وَهَدْيُ النَّبِيِّ
بَيِّنٌ وَاضِحٌ، وَهَدْيُ أَصْحَابِهِ بَيِّنٌ وَاضِحٌ أَيْضًا
فَمَنْ تَرَكَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ الْأُوَّلَ؛ دَخَلَ فِي هَذَا التَّحْذِيرِِ.
وَالسُّؤَالُ: إِضَافَةً لِحَالَةِ التَّرَدِّي تَعِيشُ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ حَالَةَ اضْطِرَابٍ فِكْرِيٍّ؛ خُصُوصًا
فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ فَقَدْ كَثُرَتِ الْفِرَقُ وَالْجَمَاعَاتُ وَالتَّنْظِيمَاتُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي تَدَّعِي
أَنَّ نَهْجَهَا هُوَ النَّهْجُ الْإِسْلَامِيُّ الصَّحِيحُ
الْوَاجِبُ الِاتِّبَاعِ، حَتَّى أَصْبَحَ الْمُسْلِمُ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ؛ أَيُّهَا يَتَّبِعُ؟!
وَأَيُّهَا عَلَى الْحَقِّ؟!
وَالْجَوَابُ: التَّفَرُّقُ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ أَمَرَنَا بِالِاجْتِمَاعِ، وَأَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً
عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ، وَعَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ
قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].
وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ
إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159].
فَدِينُنَا دِينُ الْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ، وَالتَّفَرُّقُ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ، فَتَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ لَيْسَ
مِنَ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَكُونَ جَمَاعَةً وَاحِدَةً
، وَالنَّبِيُّ
يَقُولُ : « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ».
وَيَقُولُ
: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ».
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبُنْيَانَ وَأَنَّ الْجَسَدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَمَاسِكٌ، لَيْسَ فِيهِ تَفَرُّقٌ؛ لِأَنَّ الْبُنْيَانَ
إِذَا تَفَرَّقَ سَقَطَ، كَذَلِكَ الْجِسْمُ إِذَا تَفَرَّقَ فَقَدَ الْحَيَاةَ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ، وَأَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً،
أَسَاسُهَا التَّوْحِيدِ، وَمَنْهَجُهَا دَعْوَةُ الرَّسُولِ
،وَمَسَارُهَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
قَالَ -جَلَّ وَعَلَا- :
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [ الأنعام : 153 ].
فَهَذِهِ الْجَمَاعَاتُ وَالتَّنْظِيمَاتُ وَالْفِرَقُ، وَهَذَا التَّفَرُّقُ الْحَاصِلُ عَلَى السَّاحَةِ الْيَوْمَ
لَا يُقِرُّهُ دِينُ الْإِسْلَامِ؛ بَلْ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ، وَيَأْمُرُ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ،
وَعَلَى مَنْهَجِ الْإِسْلَامِ، جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَأُمَّةً وَاحِدَةً
كَمَا أَمَرَنَا اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِذَلِكَ.
* التَّفَرُّقُ وَتَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ مِنْ كَيْدِ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ :
وَالتَّفَرُّقُ وَتَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَيْدُ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ
فَمَا زَالَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ
مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ يَدُسُّونَ الدَّسَائِسَ لِتَفْرِيقِ الْأُمَّةِ؛ قَالَ الْيَهُودُ مِنْ قَبْلُ
: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
[آل عمران:72]
أَيْ : لَعَلَّ الْمُسْلِمِينَ يَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ إِذَا رَأَوْكُمْ رَجَعْتُمْ عَنْهُ.
وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ :
{لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون :7]
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة :107].
فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ عَمَلِ الْكُفَّارِ، وَمِنْ عَمَلِ الْمُنَافِقِينَ.
وَعُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَعُلَمَاءُ السُّنَّةِ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ لَا يُجِيزُونَ هَذَا التَّفَرُّقَ،
وَلَا هَذَا التَّحَزُّبَ، وَلَا هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ فِي مَنَاهِجِهَا وَعَقَائِدِهَا، وَلَا هَذِهِ التَّنْظِيمَاتِ
فِي أَهْدَافِهَا وَغَايَاتِهَا؛
لِأَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَسُولُهُ
، وَالْأَدِلَّةُ كَثِيرَةٌ عَلَى ذَلِكَ.
كاتبه فضيلة الشيخ أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان
توقيع
عابرة سبيل
عابرة سبيل
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عابرة سبيل
البحث عن المشاركات التي كتبها عابرة سبيل