قال الله تعالى : ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴾ الفاتحة : ٢، ٣.
وقال تعالى : ﴿ الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ الرحمن : ١، ٢.
وقال تعالى : ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ البقرة : ١٦٣.
- المعنى :
الرحمن والرحيم من الرحمة، والرحمة من صفات الله تعالى العظيمة، ومعناها الرقة والعطف والشفقة والرأفة
فهذان الاسمان يدلان على هذه الصفة العظيمة
لذا فإن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة، ورحمته وسعت كل شيء، ورحمته سبقت غضبه.
وحتى نتصور سعة رحمة الله تعالى، نتأمل قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ للَّهِ تَعَالى مائَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ والإِنْسِ وَالبَهَائمِ وَالهَوامِّ،
فَبهَا يَتَعاطَفُونَ، وبِهَا يَتَراحَمُونَ، وَبها تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلى وَلَدهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تَعالى تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) متفق عليه.
والفرق بين الرحمن والرحيم، قيل : معنى الرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة
وقيل: الرحمن ذو الرحمة العامة بجميع الخلق، والرحيم ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين.
- مقتضى اسمي الله الرحمن الرحيم وأثرهما :
هذان الاسمان الجليلان يبعثان في قلب العبد الرغبة والطمع والرجاء في رحمة الله تعالى، فصفة الرحمة تجذب المرحوم إلى الراحم وتُعلِّقه بها
فكيف بمن وسعتْ رحمتُه كل شيء، فمن عرف الله تعالى بالرحمن الرحيم لم ييأس ولم يقنط، وازداد رغبة ورجاء فيما عند الله تعالى.
كما يقتضي هذان الاسمان تراحم الخلق بعضهم ببعض، فمن رحم غيره كان جديراً برحمة الله تعالى
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لا يَرحم الناسَ لا يرحمه الله عز وجل ) متفق عليه
وقال عليه الصلاة والسلام : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) رواه الترمذي في سننه
وقال : هذا حديث حسن صحيح، وحسّنه ابن حجر في ( الإمتاع ).
قال الله تعالى : ﴿ فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ المؤمنون : ١١٦.
وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ القمر : ٥٤، ٥٥.
- المعنى :
الله تعالى هو الملِكُ الحق، المالك لكل شيء، فله ملك السماوات والأرض وما بينهما، وملكه تام مطلق، لم يسبقه عدم ولا يلحقه زوال
ولا نقص في ملكه بوجه من الوجوه، بل لو أعطى كل مخلوق ما يرجو ويتمنى ما نقص ذلك من ملكه شيء
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : (يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي،
فَأَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتهمَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) رواه مسلم.
وحقيقة الملك إنما تتم بالعطاء والمنع؛ والإكرام والإهانة؛ والإثابة والعقوبة؛ والغضب والرضا؛ والتولية والعزل؛
وإعزاز من يليق به العز،وإذلال من يليق به الذل، وهذه الأمور مجتمعة من صفات الله تعالى التي لا يشاركه فيها أحد
قال تعالى : ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
سورة آل عمران : ٢٦
وقال تعالى : ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ غافر : ١٦.
- مقتضى اسمي الله الملِك المليك وأثرهما :
هذان الاسمان يُبيّنان كمالَ ملك الله تعالى، ونقصَ ملك الإنسان، وأن الإنسان في حقيقته عبد مملوك لخالقه
وأن ما يملكه إنما هو ملك لله على الحقيقة، لأن ملكية الإنسان ملكية نسبية مؤقتة، وأن المالك الحقيقي هو الله تعالى
فلا يجوز للإنسان حينئذ أن يتجاوز هذه الحقيقة بالطغيان والتعالي والتكبّر، كما حكى الله تعالى عن طغيان فرعون
الذي تجاوز حدوده كإنسان ضعيف مخلوق ..
: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ الزُّخرف: ٥١.
ويقتضي هذان الاسمان كذلك أن يسأل العبد ربه بأن يعطيه ويغنيه، لأن الله هو الملِكُ الحقُ الذي بيده ملك كل شيء وخزائنه
ومقاليده ومفاتيحه فهو المالك لكل شيء حقيقة، وهو المعطي المانع سبحانه جلّ في علاه.
قال الله تعالى : ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ﴾ الحشر : ٢٣.
وقال تعالى : ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ﴾ الجمعة : ١.
- المعنى :
القدُّوس صيغة مبالغة من القدس، ومعناه في اللغة الطهارة والنزاهة، فالقدّوس هو المطهّر من كل دَنَس، المنزّه عن كل عيب، وعن كل ما لا يليق به.
ورد في حديثِ عائشةَ رضي الله عنها؛ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في ركوعِهِ وسجودِهِ : ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، ربُّ الملائكةِ والروحِ ) رواه مسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكِ الْأَعْلَى ﴾، و﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾
فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، ثَلَاثاً، ويَرْفَعُ صوته بالثالثة. رواه النسائي وغيره، وصحّحه الألباني.
ومن معاني القدّوس : الذي تقدِّسه قلوب الخلق وألسنتهم، بمعنى تعظّمه وتمجّده.
إذن القدّوس يجمع بين معنيين، الطهارة والتعظيم، قال ابن جرير: " التقديس : هو التطهير والتعظيم". ( تفسير الطبري )
- مقتضى اسم الله القدوس وأثره :
اسم الله القدّوس يقتضي من العبد القيام بحق الله تعالى من التمجيد والتقديس والتعظيم، فالله تعالى هو المستحق للتعظيم والتمجيد والتنزيه
لأنه المتصف بصفات الكمال والجمال والجلال، أما المخلوق فلا يستحق ذلك لأنه ضعيف وناقص وعاجز، ومن الغفلة أن ينشغل الإنسان
بتمجيد إنسان مثله ليلَ نهار، فكم من مخلوق بالَغَ في تعظيم وتمجيد مخلوق مثله، وغفل عمن هو مستحق لذلك، وهو الله القدّوس جلّ جلاله.
قال الله تعالى : ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ﴾ الحشر: ٢٣.
- المعنى :
قال العلماء : الجبَّار له ثلاثة معان :
الأول : جبر القوة، فهو سبحانه وتعالى الجبَّار الذي يقصم ظهور الجبابرة والظلمة
فكل جبَّار وإن عظم فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته، وفي يده وقبضته.
الثاني : جبر الرحمة، فإنه سبحانه يجبر كسر الضعفاء والفقراء بالغنى والقوة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها
وهذا المعنى مأخوذ من الجبر، وهو إصلاح الكسر.
الثالث : جبر العلو، فإنه سبحانه فوق خلقه عالٍ عليهم، وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم
ويعلم ما توسوس به نفوسهم.
- مقتضى اسم الله الجبّار وأثره :
إذا علم العبد أن الله تعالى هو الجبّار ذو الجبروت تواضع وانكسر، ولم يتجاوز حدوده البشرية، فصفة الجبروت صفة مستحقة لله تعالى
فهي صفة كمال لله عزّ وجل لذلك يُشرع للمسلم أن يقول في ركوعه وسجوده : (سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ)
رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح
أما في حق المخلوق فالجبروت صفة مذمومة، لأنه لا يستحقها لضعفه ونقصه، قال تعالى : ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ إبراهيم : ١٥.
كما أن اسم الجبّار يمنح الثقة والأمان للضعفاء والمظلومين، لأن الله تعالى سيجبر ضعفهم، ويرفع الظلم عنهم، وينتقم ممن ظلمهم
فهو سبحانه جبّار للضعفاء والمنكسرين، وجبّار على الظالمين الكاسرين.