أنت غير مسجل في مسلم أون لاين . للتسجيل الرجاء أضغط هنـا
 

الإعلانات النصية


الإهداءات

العودة   منتديات مسلم أون لاين العودة مسلم أون لاين الإســلامي العودة قسم الإســلامي العام

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  مشاركة رقم : 1  
قديم 02-25-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



المنتدى : قسم الإســلامي العام
Importance صفات عباد الله الرحمن

-(التواضع والحلم )
قال الله تعالى-: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ إلى قوله .. ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ الفرقان:63-76 .
في هذه الآيات الكريمة من خواتيم سورة الفرقان، يصف الله -عز وجل- أحوال عباده الذين شرفهم بنسبهم إليه،وعباد الرحمن هم العباد الذين شرفوا بالانتساب إلى الله ؛ فإذا كان هناك عبيد الشيطان والطواغيت ، وعبيد الشهوات ، فهؤلاء عبيد الله ، وانتسابهم إلى الله باسمه الرحمن إشعار بأنهم أهل لرحمة الله عز وجل ،وقبل هذه الآيات قوله تعالى (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تآمرنا وزادهم نفورا)الفرقان 60
فإذا كان هؤلاء يجهلون ماالرحمن ،فإن هناك أناسا يعرفون الرحمن ، ويقدرونه حق قدره ، ويؤدون له حقه ، فهم عباده الذين شرفوا بالانتساب إليه ؛ وها هي صفاتهم وخصالهم لمن أراد أن يلتحق بركبهم ، فقول الواحد منا أنا من عباد الرحمن دعوى تحتاج إلى برهان ، إلى أفعال إلى صفات نتحلى بها .
وهذه الصفات سوف نتناولها في سلسلة منبرية كل أسبوع إن شاء الله فاللهم يسر وأعن يا كريم.
1- التواضع والسكينة :
أول هذه الأوصاف أنهم يمشون على الأرض هونا ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ أي: بسكينة ووقار وتواضع وبغير تجبر ولا استكبار.
لكن لماذا جعلها الله أول صفة لعباده ؟
لأن المشية غالبا ما تعبر عن صاحبها ، عن شخصيته وما يستكن فيها من مشاعر وأخلاق ، فالرجل له مشية والمرأة لها مشية أخرى ، والمتكبرون لهم مشية ، والمؤمنون المتواضعون لهم مشية ، والصحيح السليم له مشية ، والمريض العليل له مشية .... وهكذا كل يمشي معبرا عما في ذاته .
فعباد الرحمن يمشون على الأرض هونا ، متواضعين هينين لينين ، بسكينة ووقار لا بتجبر واستكبار ، لا يستعلون على أحد ولا ينتفخون كأحد الذين يمشون فيقول: (يا أرض انهدي ماعليك قدي)
وقد نهانا الله عن هذه المشية فقال (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) الإسراء 37
نعم فمهما دببت في الأرض فلن تخرقها ، ومهما تطاولت بعنقك ، فلن تبلغ الجبال طولا!!
وفي وصايا لقمان لابنه (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) لقمان 19،18
( ولا تصعر خدك للناس ) لا تكلمهم وأنت عنهم معرض ولا تجعلهم يكلمونك وأنت معرض عنهم ، بل أقبل عليهم ووجهك منبسط إليهم .
(ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) المختال الذي يظهر أثر الكبر في أفعاله والفخور الذي يظهر أثر الكبر في أقواله ...يقول أنا فلان وابن فلان .....فالله لا يحب الصنفين معا المختال والفخور ، إنما يحب المتواضع الذي يعرف قدر نفسه ، ولا يحتقرأحدا من الناس .
(الذين يمشون على الأرض هونا ) ليس المقصود أنهم يمشون متماوتين كالمرضى كما يفعل البعض ذلك وفي ظنه أن هذا من التنسك والزهد ...
كلا فما كان النبي ولا أصحابه يفعلون ذلك ، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى فكأنما ينحط من صبب(كأنما ينزل من مرتفع إلى منحدر يعنى يمشى على أطراف أصابعه كما يفعل الرياضيون الآن ) فهذه مشية أولى العزم والهمة والشجاعة .
يقول أبي هريرة (ما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله كأنما الأرض تطوى له ، وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث ) فلم يكن متماوتا ولا بطيئا إنما مشيه وسط بين السرعة والبطء .
وهكذا كان عمر لما رأى شابا يتماوت في مشيته فقال : أأنت مريض ؟ قال ما أنا بمريض ، قال : إذا فلا تمش هكذا .
ورأى رجلا يصلى وقد جعل رأسه في صدره فقال ياهذا لا تمت علينا ديننا ... ارفع رأسك فإن الخشوع في القلب وليس في الرقبة .
ورأت الشفاء أم عبد الله شبانا يمشون متماوتين ؛ فسألت عنهم من هؤلاء ؟ فقيل لها : هؤلاء نساك – عباد ....قالت رحم الله عمر لقد كان إذا مشى أسرع ، وإذا تكلم أسمع ، وإذا ضرب أوجع ؛ وكان الناسك حقا .
إذن فلا تماوت ولا اختيال وتفاخر ، وإنما سكينة وتواضع
التحذير من الكبر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال عليه الصلاة والسلام إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس ) رواه مسلم
و غمط الناس هو الاحتقار وبطر الحق هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا.
فالمسلم ينبغي أن يكون نموذج للتواضع وخفض الجناح، فلا يغتر بعلم، ولا مال
، ولا جاه ، بل كل شيء محض فضل من الله، وكرم لما يحمل من خير.
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مانقص صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) رواه مسلم
يروى أن مطرف بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب ( وكان من كبار القادة العسكريين ) وهو يتبختر في جبة فقال: يا عبد الله هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلب: أما تعرفني فقال بلى أعرفك أولك نطفة مذرة وآخرتك جيفة قذرة وأنت بين ذلك تحمل العذرة! فمضى المهلب وترك مشيته تلك.
وقال بعض السلف (عجبت لمن خرج من مجرى البول مرتين علام يتكبر؟!!)
ومعنى كلامه أنه خرج من أبيه نطفة ، ثم خرج من فرج أمه مولودا صغيرا .
فاعرف قدرك أيها الإنسان ، فمن تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله .
اللهم اجعلنا من المتواضعين ولا تجعلنا من المتكبرين آميـــــــن
هذه أول صفات عباد الرحمن .

  مشاركة رقم : 2  
قديم 02-25-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
Importance رد: صفات عباد الله الرحمن

أما الثانية فهي (الحلم )
وكأنه لما ذكر حالهم مع أنفسهم وأنهم متواضعين غير مستعلين ولا مستكبرين ؛ ذكر حالهم مع الناس وخاصة مع أهل الجهل والسفه فقال : ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ أي: إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يردوا عليهم بمثله، بل يصفحون ولا يقولون إلا خيرًا كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تزيده شدة الجاهل إلا حلمًا.
فهم لا يردون السيئة بالسيئة، وإن كان هذا من حقهم ، إنما يقولون قولا سديدا يليق بحالهم وسمتهم .
والجهل هنا في الآية ليس هو الجهل ضد العلم ؛ إنما هو من الجهل ضد الحلم
فالجاهل في نظر القرآن الكريم هو من عصى الله وغلب اتباع الهوى على الحق ، حينما راودت النسوة يوسف عن نفسه قال : ( وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) يوسف 33
وموسى حينما أخبر قومه بأمر الله أن يذبحوا بقرة (قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) البقرة 67
أي ممن يهزأون في موضع الجد أو يتكلمون بالسخرية في موضع الحق فهذا شأن الجاهلين ، وعلى هذا فالجاهل هو العاصي لأنه جهل عظمة ربه ، وهو السفيه قليل العقل سيء الخلق .
فعباد الرحمن لا يشغلون أنفسهم في معركة مع الجاهلين ، فهم ينزهون أنفسهم عن الرد على هؤلاء .
وللنبي -صلى الله عليه وسلم- مشاهد كثيرة في حلمه على الناس وفي دفع السيئة منهم بالحلم منه -صلى الله عليه وسلم- فيقابل السيئة بالحسنة، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً).
كذلك في الحديث المتفق عليه عن أنس -رضي الله عنه- قال: (كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء).
ويروي عن الحسن أن رجلاً قال : إن فلاناً قد اغتابك ، فبعث إليه طبقاً من الرطب ، وقال : بلغني أنك أهديت إليّ حسناتك ، فأردت أن أكافئك عليها ، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافئك بها على التمام.
وقال رجل لحكيم ياقبيح الوجه فقال :ما كان خلق وجهي إلى فأحسنه!!!
وقال علي بن يزيد: أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول فأطرق عمر زماناً طويلاً ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً
وسب رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال: ما ستر الله عنك أكثر
وسب رجل الشعبي فقال: إن كنت صادقاً فغفر الله لي وإن كنت كاذباً فغفر الله لك.
ومر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم فقالوا له شراً فقال لهم خيراً فقيل له: إنهم يقولون شراً وأنت تقول خيراً فقال: كل ينفق مما عنده.
وكان الشيخ الشعراوي يتعرض للسب والغمز من بعض الكتاب والصحافيين فلما كلموه في الرد عليهم قال لن أعطيهم شرف الرد عليهم.
ورحم الله من قال :
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ و آبى أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهةً و أزيد حلماً كعودٍ زاده الإحراق طيباً
وآخر يقول:
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوتُ
إذا جاوبته فرجت عنه و إذا خليته كمداً يموتُ
فهل يمتثل المسلمون ذلك الوصف؟ فكم رأينا من مسلم غضوب، وكم رأينا من ينتقم لنفسه، وينتصر لها، بل وقد يقع بعضهم في عرض آخر، وقد يغتابه، محتجًا بأنه ينتقده ، وقد يستبيح بعضهم سباب آخرين لمجرد مخالفته في أسلوب عمل..
من أراد أن يكون من عباد الرحمن فليدع هذه المعارك التي يفتعلها الشيطان ليزرع بها العداوة والبغضاء بين المسلمين .
نسأل الله أن يرزقنا الحلم والعلم والتواضع وسعة الصدر

  مشاركة رقم : 3  
قديم 03-12-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
افتراضي رد: صفات عباد الله الرحمن

قيام الليل
﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾الفرقان 64
لا زلنا نعيش مع عباد الرحمن ، وقد حدثنا الله عن حالهم في أنفسهم أنهم (يمشون على الأرض هونا ) ،وأما حالهم مع الناس فهو حال من لا يشغل نفسه بالسفهاء ولا يخاطب الجاهلين إلا سلاما (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )
وهو هنا يحدثنا عن حالهم مع ربهم وتتجلى حالهم هذه في جنح الليل ، فإذا أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ، وأوى الناس إلى فرشهم كان لهم حال مع الله :
﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ إنهم في ليلهم بين سجود وقيام ، وصفوا بالسجود حيث يضعون جباههم على الأرض لله تبارك وتعالى فهم بين سجود يتضرعون فيه لله ويسألونه الرحمة ، وقيام يتدبرون فيه كلام الله وقد وصف الله أمثال هؤلاء فقال : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} الزمر:9.
أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله وضيّع نفسه، غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده؟!
وأشار - سبحانه وتعالى- في قوله: ﴿والذين يبيتون لِرَبِّهِمْ﴾ إلى إخلاصهم فيه ابتغاء وجهه الكريم.
وكما قال - تعالى-: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الذاريات:17، 18 قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.
أي قل نومهم فصار أغلب الليل قيام وفي آخره استغفار بالأسحار دفعهم حبهم لله أن يصفوا أقدامهم لله قائمين راكعين ساجدين يناجونه قائلين :
سهر العيون لغير وجهك باطل وبكاؤهن لغير فقدك ضائع
وقال تعالى ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ السجدة:16 قال مجاهد والحسن: يعني قيام الليل.
وقال ابن كثير في تفسيره: ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ).
قال يحيى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بتفكر، وخلاء البطن، وقيام اللّيل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين .
وقيل للحسن البصري: ما بال المتهجدين باللّيل من أحسن النّاس وجوهاً؟ قال: لأنّهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره .
وقال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: إنّ الرجل ليُصلّي باللّيل، فيجعل الله في وجهه نوراً يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط، فيقول: إنّي لأحب هذا الرجل .
قيام الليل في السنة :
حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } متفق عليه
قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وقال صلى الله عليه وسلم : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام } رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم : { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } رواه أبو داود وصححه الألباني. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر.
وقال : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } رواه مسلم.
ضحك الله إلى المتهجدين باللّيل، ففي الحديث : «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم، ويستبشر بهم ….. والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن، فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته ويذكرني!! ولو شاء لرقد!!».
وفي الحديث الصحيح: «إذا استيقظ الرجل من اللّيل، وأيقظ أهله وصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات»
قيام النبي صلى الله عليه وسلم :
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقيام الليل في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 1-4].
وقال سبحانه: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [الإسراء: 79].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ } متفق عليه.
وهذا يدل على أن الشكر لا يكون باللسان فحسب، وإنما يكون بالقلب واللسان والجوارح، فقد قام النبي بحق العبودية لله على وجهها الأكمل ، مع ما كان عليه من نشر العقيدة الإسلامية، وتعليم المسلمين، والقيام بحقوق الأهل والذرية.
فكان كما قال ابن رواحة:
وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروفٌ من الصبح ساطعُ
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقناتٌ أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وعن حذيفة قال: { صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مُتَرَسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوذ... الحديث } رواه مسلم.
وعن عطاء قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقال عبد الله بن عمير : حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم !!
فبكت وقالت : قام ليلة من الليالي فقال : يا عائشة ! ذريني أتعبد لربي قالت : قلت : والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك .
قالت : فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض وجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ !
قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها : { إن في خلق السماوات والأرض }صححه الألباني
ثمرات قيام الليل :
من ثمراته: دعوة تُستجاب.. وذنب يُغفر.. ومسألة تُقضى.. وزيادة في الإيمان والتلذذ بالخشوع للرحمن.. وتحصيل للسكينة.. ونيل الطمأنينة.. واكتساب الحسنات.. ورفعة الدرجات.. والظفر بالنضارة والحلاوة والمهابة.. وطرد الأدواء من الجسد.
فمن منَّا مستغن عن مغفرة الله وفضله؟! ومن منَّا لا تضطره الحاجة؟! ومن منَّا يزهد في تلك الثمرات والفضائل التي ينالها القائم في ظلمات الليل لله؟!
وهذه توجيهات نبوية تحض على نيل هذا الخير:
فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممَّن يذكر الله في تلك الليلة فكن" (رواه الترمذي وصححه).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي وحسَّنه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" رواه البخاري ومسلم.
فيا ذا الحاجة ها هو الله جلَّ وعلا ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة.. يقترب منا.. ويعرض علينا رحمته واستجابته.. وعطفه ومودته.. وينادينا نداء حنوناً مشفقاً: هل من مكروب فيفرج عنه.. فأين نحن من هذا العرض السخي !
قم أيها المكروب.. في ثلث الليل الأخير.. وقول: لبيك وسعديك.. أنا يا مولاي المكروب وفرجك دوائي.. وأنا المهموم وكشفك سنائي.. وأنا الفقير وعطاؤك غنائي.. وأنا الموجوع وشفاؤك رجائي..
قم.. وأحسن الوضوء.. ثم أقم ركعات خاشعة.. أظهر فيها لله ذلَّك واستكانتك له.. وأطلعه على نية الخير والرجاء في قلبك
أتهـــــزأ بالدعــاء وتزدريه
ولا تدري ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطيء ولكن
لها أمـــد وللأمـــد انقضاء
ويا صاحب الذنب :
قد جاءتك فرصة الغفران.. تعرض كل ليلة.. بل هي أمامك كل حين، ولكنها في الثلث الأخير أقرب إلى الظفر والنيل.
فعن أبي موسى بن قيس الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم.
وقد تقدم في الحديث أنَّ الله جلَّ وعلا ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له" رواه البخاري ومسلم.
ويد الله سبحانه مبسوطة للمستغفرين بالليل والنهار.. ولكن استغفار الليل يفضل استغفار النهار بفضيلة الوقت وبركة السحر؛ ولذلك مدح الله جلّ وعلا المستغفرين بالليل فقال سبحانه: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ).
وذلك لأنَّ الاستغفار بالسحر فيه من المشقة ما يكون سبباً لتعظيم الله له.. وفيه من عنت ترك الفراش ولذاذة النوم والنعاس ما يجعله أولى بالاستجابة والقبول.. لا سيما مع مناسبة نزول المولى جلَّ وعلا إلى سماء الدنيا وقربه من المستغفرين.. فلا شكَّ أنَّ لهذا النزول بركة تفيض على دعوات السائلين وتوبة المستغفرين وابتهالات المبتهلين.
فيا من أسرف على نفسه بالذنوب.. حتى ضاقت بها نفسه.. وشقّ عليه طلب العفو والغفران؛ لما تراه من نفسه في نفسه من عظيم العيوب.. وكبائر السيئات.. قوم لربك في ركعتين خاشعتين.. فقد عرض عليك بهما الغفران.. فقال لك: "من يستغفرني فأغفر له".
قم.. واهمس في سجودك بخضوع وخشوع تقول: "أستغفرك اللهمَّ وأتوب إليك.. ربَّ اغفر لي وارحمني وأنت خير الراحمين.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم".
ويا صاحب النعمة :
أقبل على ربك بالليل وأديِّ حقّ الشكر له، فإنَّ قيام الليل أنسب أوقات الشكر، وهل الشكر إلا حفظ النعمة وزيادتها؟!
تأمَّل في رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمَّا قام حتى تفطَّرت قدماه، فقيل له: يا رسول الله، أما غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً" (رواه البخاري).
ففي هذا الحديث دلالة قوية على أنَّ قيام الليل من أعظم وسائل الشكر على النعم.. ومن منَّا لم ينعم الله عليه؟! فنعمه سبحانه .. تظهر علينا في كل صغيرة وكبيرة؛ في رزقنا وعافيتنا وأولادنا وحياتنا بكلّ مفرداتها، وما خفي علينا أكثر وأكثر.. ولذلك فإنَّ حق شكرها واجب علينا لزاماً في كل وقت وحين، وأحقّ الناس بالزيادة في النعمة هم أهل الشكر.. وأنسب أوقات الشكر حينما يقترب المنعم وينزل إلى السماء الدنيا.. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلل قيامه ويقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً". أي: أفلا أشكر الله عزَّ وجلَّ.
ثانياً: ما يعين على التهجد وقيام الليل
(1) الأسباب الظاهرة:
1- قلة الطعام وعدم الإكثار منه، ففي الحديث الحسن: «… أقصر من جشائك ؛ فإنّ أكثر النّاس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً في الآخرة».
وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوّام ، فمن أكل كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً فخسر كثيراً يوم القيامة .
2- الإقتصاد في الكد نهاراً، فلا يُتعب نفسه بالنّهار في الأعمال التي تعيا بها الجوارح، وتضعف بها الأعصاب، فإنّ ذلك مجلبة للنوم، وعليه بالقصد في هذه الأعمال، وأن يتجنب فضول الكلام، وفضول المخالطة التي تشتت القلب.
3- الإستعانة بالقيلولة نهاراً؛ فإنها سُنة، ففي الحديث الحسن: «قيلوا ؛ فإنّ الشياطين لا تقيل».
ومر الحسن بقوم في السوق فرأى صخبهم ولغطهم فقال: أما يقيل هؤلاء؟ قالوا: لا قال: إنّي لأرى ليلهم ليل سوء .
4- ترك المعاصي، فقد قيدتنا خطايانا، قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد إنّي أبيت معافى، وأحب قيام اللّيل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك .
وقال الثوري: حُرمت قيام اللّيل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل: وما هو؟ قال: رأيت رجلاً يبكي فقلت في نفسي هذا مُراء .
وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام اللّيل وصيام النّهار، فاعلم أنّك محروم مُكبّل، كبّلتك خطيأتك .
وقيل للحسن: عجزنا عن قيام اللّيل قال: قيدتكم خطاياكم، إنّما يؤهل الملوك للخلوة بهم من يصدق في ودادهم ومعاملتهم، فأمّا من كان من أهل مخالفتهم فلا يرضونه لذلك .
5- طيب المطعم وأكل الحلال والابتعاد عن الحرام، فكم من أكلة منعت قيام ليلة، وإنّ العبد ليأكل أكلة فيُحرم قيام سنة؛ لأنّه لم يتجنب أكل الشبهات، وقال سهل بن عبد الله التُستري: من أكل الحلال أطاع الله شاء أم أبى .
وقال إبراهيم بن أدهم: أطب مطعمك ولا عليك أن لا تقوم باللّيل وتصوم النهار .
(2) الأسباب الباطنة المُيسِرة لقيام اللّيل :
1- الإخلاص، فإذا قمت لله فلا يكن في قلبك إلاّ الله وعلى قدر نيتك تنال الرحمة من ربّك.
2- معرفة مدى أُنس السلف وتلذذهم بالتهجد، قال أبو سليمان الداراني: لأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللّهو بلهوهم ، وقال ثابت البُناني: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام اللّيل .
3- علمك بمدى حرص رسولك صلى الله عليه وسلم على القيام والإجتهاد فيه، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم من اللّيل حتى تتورم قدماه وقد غفر الله من ذنبه.
4- النوم على نية القيام للتهجد ليُكتب لك، والنوم على طهارة على الجانب الأيمن والمواظبة على أذكار النوم.
5- سؤال المولى عز وجل ودعاؤه أن يمُن عليك بالقيام (اللّهم اشفني باليسير من النوم وارزقني سهراً في طاعتك).
6- علمك بمدى اجتهاد الصحابة والسلف في قيام اللّيل.
7- علمك أنّ الشيطان يوسوس لك ويحاول منعك من القيام، فكيف تطيعه وهو عدوك ؟!
8- وضع الجنّة والنّار نصب عينيك.
9- الزهد في الدنيا وكثرة ذكر الموت وقصر الأمل وهذا أسلوب نبوي في تربية الصحابة على قيام اللّيل، ففي الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث اللّيل قام فقال: «يا أيّها النّاس اذكروا الله، جاءت الراجفة، من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إنّ سلعة الله الجنّة، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه».
آداب قيام اللّيل :
1- الإخلاص وترك العجب، فقيام اللّيل عبادة عنوانها وتاجها الإخلاص، فعلى العبد أن يعلم عيوبه وآفاته وتقصيره ويعلم ما يستحقه الله عز وجل من العبودية وأنّها أعجز ما يكون أن يوفّي حق الله، قال مطرف بن عبد الله: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً .
وقيل لمحمد بن واسع: قد نشأ شباب يصومون النّهار ويقومون اللّيل ويجاهدون في سبيل الله قال: بلى، ولكن أفسدهم العجب . فإيّاك والرياء والعجب وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل تطوعاً حيث لا يراه النّاس تعدل صلاته على أعين النّاس خمساً وعشرين».
2- اتباعك لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في القيام بالآتي:
- التسوك لقيام اللّيل.
- غسل اليد قبل غمسهما في إناء الوضوء والوضوء وضوءاً حسناً.
- الحرص على أذكار القيام والإستفتاح والتأسّي برسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية صلاته (فينظر في السماء ويقرأ الآيات التي في آخر آل عمران كما في الصحيحين ويصلّي مثنى مثنى ويستفتح بركعتين خفيفتين ويصلي إحدى عشر ركعة) .
- ترديد الآية وتدبر ما فيها ويتعوذ عند ذكر النّار ويسأل الله الجنّة عند ذكر آيات الجنّة وهكذا.
- الفصل بين صلاة اللّيل بالتسبيح بين كل ركعتين لتسكن الجوارح وتزول سآمة النفس للقيام، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40]، أي أعقاب الصلاة.
وأخيراً وفقنا الله إلى قيام الليل والإجتهاد فيه، فلنبدأ من الآن والنهاية عند الممات ولنواظب عليه ولو بعشر آيات في أول الأمر فخير الأعمال أدومها وإن قل .

  مشاركة رقم : 4  
قديم 04-11-2015
مسلمه سلفيه
الصورة الرمزية مسلمه سلفيه


رقم العضوية : 7
تاريخ التسجيل : Jul 2014
الدولة : مصر -
المشاركات : 202
بمعدل : 0.06 يوميا
معدل تقييم المستوى : 10
المستوى : مسلمه سلفيه نشيط

مسلمه سلفيه غير متواجد حالياً عرض البوم صور مسلمه سلفيه



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
افتراضي رد: صفات عباد الله الرحمن

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

توقيع مسلمه سلفيه




  مشاركة رقم : 5  
قديم 05-03-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
افتراضي رد: صفات عباد الله الرحمن

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسلمه سلفيه [ مشاهدة المشاركة ]
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

وبارك الله فيك اختي وجعلنا الله من عباده المصطفين الاخيار في الدنيا والاخرة

  مشاركة رقم : 6  
قديم 05-03-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
Importance رد: صفات عباد الله الرحمن

الاعتدال في الإنفاق
الاعتدال في الإنفاق
لا زلنا نعيش مع عباد الرحمن ،الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وقد حدثنا الله عن حالهم في أنفسهم أنهم (يمشون على الأرض هونا ) ،وعن حالهم مع الناس فهو حال من لا يشغل نفسه بالسفهاء ولا يخاطب الجاهلين إلا سلاما (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) وعن حالهم مع الله﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾،وعن خوفهم من عذاب الله ورجائهم في عفوه ورحمته ( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما )
ثم وصف حالهم في أموالهم فقال تعالى :
( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) الفرقان 67
فليس المفترض في عباد الرحمن أنهم قوم لا مال لهم ، كلا فهم أغنياء بالله وليسوا عالة يسألون غيرهم النفقة عليهم ، وقد وصف الله رواد المساجد بأنهم (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) النور٣٧
فهم بلغة العصر رجال أعمالهم تجارة وبيع ولكن لا يشغلهم ذلك عن واجبهم نحو ربهم
المال مال الله :
والمال في نظر الإسلام نعمة يجب أن تشكر ، وهو أمانة يجب أن ترعى .
ولهذا بوب الإمام النووي في كتابه (رياض الصالحين ) بابا سماه : باب فضل الغني الشاكر ؛ وهو من أخذ المال من وجهه وصرفه في وجوهه المأمور بها .
والمسلم في ماله مستخلف ، لأن المال مال الله والإنسان أمين عليه ولذلك قال تعالى (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) الحديد 7
فإذا كان المال مال الله والإنسان مستخلف عليه فيجب عليه أن يراعي تعليمات صاحب المال :
ماذا يريد منه ؟
وماذا يرضيه ؟
وماذا يسخطه ؟
فلله سبحانه تعليمات في المال تتعلق بطرق اكتسابه ، أن يكتسبه من طريق حلال ، وكذلك تعليمات تتعلق باستثماره وتنميته ، وتعليمات تتعلق بإنفاقه واستهلاكه وتوزيعه .
قد يجمع الإنسان المال من حله ، قد يكتسبه من حلال ، لكنه ربما يمنع فيه حقا فيبخل ، أو يسرف فيبعثره ذات اليمين وذات الشمال .
فإما أن تجد غنيا بخيلا يبخل عن أداء كل واجب ، أو غنيا متلافا مضيعا للمال ، أما عباد الرحمن فإنهم (إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً )
(لم يسرفوا ) الإسراف هو مجاوزة الحد في النفقة على الطعام والشراب واللباس وغيرها من متاع الدنيا . alt
قال الله تعالى: (وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(الأعراف:31.
( ولم يقتروا) التقتير : التضييق في النفقةوهو ضد الإسراف
( وكان بين ذلك قواماً) والقوام بمعنى الاعتدال والحد الوسط
الفرق بين الإسراف والتبذير :
وقد جاء في آية أخرى هذا المعنى فقال تعالى في سورة الإسراء :
( وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦)إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧)وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨)وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)
الإسراف هو مجاوزة الحد في النفقة كما سبق ، أما التبذير فهو عدم إحسان التصرف في المال، وصرفه فيما لا ينبغي،من الشهوات والمباحات فيما لا نفع فيه أما صرف المال إلى وجوه الخير فليس بتبذير ولذلك قيل (لا خير في إسراف ، ولا إسراف في خير )alt
فلا يسمي الإنفاق في سبيل الله إسرافا كما فعل أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من الصحابة الكرام ، ونفقاتهم الكبيرة في سبيل الله .
( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧)
أي أشبههم في الشر والمعصية والجحود بنعمة الله .
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨)
وإذا أتاك القريب أو المسكين أو ابن السبيل يرجو منك شيئا ولا تملكه وتبتغي رحمة من الله ورزقا يسوقه لك فعدهم وعدا جميلا إذا وسع الله عليك

وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)
مغلولة من الغل وهو القيد فلا تبخل بالمال وكأن يدك مربوطة إلى عنقك ،وهذا فيه كناية عن البخل ، ولا تبسطها كل البسط ، كناية عن الإسراف كمن ينفق كل ما معه فلا يبقي شيئا .
(فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) فإنك إذا أسرفت قعدت محسورا أي نادما أو معدما ، وإذا بخلت وقترت قعدت ملوما .
وفي الحديث ( ما عال من اقتصد ) أي ما افتقر من اقتصد ، وذلك لأن الذي يقصد ويعتدل في إنفاقه فقلما يفتقر.
المسلم لا يبخل :
البعض يحوز المال فيقتر على نفسه وأهله ، المال في يده وهو محروم منه ، وهذا هو الذي قيل فيه :
بشر مال البخيل بحادث أو وارث
إما حادثة تأكل أخضره ويابسه ، وإما وارث يتمتع به من بعده .
ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم تعجبه هيئته، فسأله ألك مال ؟قال : نعم قال : أي المال عندك ؟ قال : من كل المال آتاني الله (أي عنده الإبل والبقر والغنم والزروع والثمار ، قال ( فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته عليك ) رواه الترمذي وحسنه
وقال تعالى : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) الضحى 11
والحديث ليس باللسان فقط ولكن بالحال أيضا .
والمسلم يحتسب كل نفقة في أوجه الخير عند الله ففي الحديث (أفضل دينار ينفقه الرجل : دينار ينفقه على عياله ، ودينار ينفقه على فرسه في سبيل الله ، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ) رواه مسلم
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص ( وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها ، حتى ما تجعل في فيّ ( فم ) امرأتك ) متفق عليه

التوازن
للاستهلاك في الإسلام أولويات لا بد من مراعاتها بحيث يبدأ المسلم بسد حاجات نفسه أولاً، ثم أهله ثم أقربائه ثم المحتاجين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا" يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمال ) رواه مسلم عن جابر.
و ينبغي للمسلم أن يقوم بتلبية ضروراته أولا، ثم حاجياته، ثم تحسينياته. فالضروري: ما تتوقف عليه حياة الناس كالطعام والشراب.
والحاجيات هي: ما يرفع الحرج ويدفع المشقة عن الناس كالتعليم والمسكن والزواج .
والتحسينيات: ما يؤدي إلى رغد العيش ومتعة الحياة دون إسراف أو ترف أو معصية كسعة المسكن وتوفر وسيلة انتقال له (سيارة ) ووسائل تدفئة للشتاء أو تهوية للصيف ...وهكذا
لكن المشكل أن الكثير منا مبتلى بالتوسع في المباحات والتحسينيات بالسلف والتقسيط ، والمسلم الفطن لا يشتري إلا ماهو في حاجة له ، إلا إذا كان ما يحتاج إليه من الضروريات أو الحاجيات ، فله أن يقترض لذلك .
ويتحدد الإنفاق بالقدرة المالية للشخص فلا يكلف الله نفسا إلا مَا آتَاهَا ،كما قال تعالى: )لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا(الطلاق: 7.
فالمسلم لا ينفق أكثر من طاقته (يمد رجليه على قدر لحافه ) ويوازن بين دخله ومصروفاته .

  مشاركة رقم : 7  
قديم 05-03-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
Importance رد: صفات عباد الله الرحمن

التوحيد
التوحيد
( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) الفرقان 68
لا زلنا نعيش مع عباد الرحمن ،الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وقد حدثنا الله عن حالهم في أنفسهم ،وعن حالهم مع الناس ، وعن حالهم مع الله ،وعن خوفهم من عذاب الله ورجائهم في عفوه ورحمته ، وهكذا ذكرهم الله بتلك الصفات الإيجابية ، ولكن الدين أمر ونهي ، فإذا كان حالهم مع أوامر الله تعالى وتوجيهات الدين ، فما هو حالهم مع ما نهى الله تعالى عنه ؟
هذا ما ذكرته هذه الآية الكريمة التي نقف عند الفقرة الأولى منها اليوم ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) الفرقان 68
( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) فالموحدون طهرت قلوبهم وخلصت بالتوحيد لله ، فلا يشركون بالله غيره ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ، أما المشركون فلا يتورعون عن هتك الأعراض وسفح الشهوات .
فعباد الرحمن لا يعبدون إلا الله ولا يقدسون غير الله ، فهم يفردونه وحده بالعبادة والاستعانة فهموا سر قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله )
وتلك هي عقيدة التوحيد التي هي لب عقائد الإسلام، الإيمان بإله واحد فوق هذا الكون، له الخلق والأمر، وإليه المصير، هو رب كل شيء، ومدبر كل أمر، هو وحده الجدير أن يعبد ولا يجحد، وأن يشكر ولا يكفر، وأن يطاع ولا يعصى، ( ذلكم الله ربكم، لا إله إلا هو، خالق كل شيء فاعبده وهو على كل شيء وكيل ) الأنعام102
ومن روائع الإسلام أنه سن للأب المسلم أن يستقبل مولوده بالأذان الشرعي ، يؤذن به في أذنه اليمنى ، لتكون كلمة التوحيد أول ما يطرق سمعه من أصوات الناس .
فإذا عاش في الدنيا ما قدر له ، ثم حضرته الوفاة ، كان على أولياءه وأقاربه أن يلقنوه كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) .
وبهذا يكون أول ما يستقبل به المسلم نور الحياة هو كلمة التوحيد ، وآخر ما يودع به الحياة هو كلمة التوحيد ، وما بين مهد الطفولة وفراش الموت ليس له مهمة غير إقامة التوحيد والدعوة إلى التوحيد .
الشرك في الجزيرة العربية قبل الإسلام:
لقد جاء الإسلام والشرك بالله ضارب أطنابه في كل أنحاء العالم، ولم يكن يعبد الله وحده إلا أفراد قلائل من الحنفاء في جزيرة العرب ممن يتعبدون على ما بقى سالماً من ملة إبراهيم ، أو بقايا من أهل الكتاب، سلموا من تأثير التحريفات الوثنية التي أفسدت الأديان الكتابية.
وحسبنا أن نعلم أن أمة كالعرب في جاهليتها غرقت في الوثنية إلى أذقانها ، حتى إن الكعبة التي بناها محطم الأصنام لعبادة الله وحده (إبراهيم الخليل ) بات في جوفها وحولها ثلاثمائة وستون صنماً، وحتى غدا في كل دار من دور مكة صنم يعبده أهلها .
بل روى الإمام البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: ( كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو خير منه ألقيناه وأخذنا الحجر الآخر فإذا لم نجد حجراً جمعنا حثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة، فحلبنا عليه، ثم طفنا به) !
وأكثر من ذلك أنهم كانوا يتخذون إلهاً من ( العجوة )، وكثيراً ما كان يصطحبه أحدهم في سفره، فإذا فني زاده وغلبه الجوع لم يجد بداً من أن يأكله !
وفي بلد كالهند بلغت الوثنية أوجها في القرن السادس لميلاد المسيح، حتى قدر عدد الآلهة حينئذ ب330 مليوناً .

التوحيد هو حق الله على العباد
ومما يؤكد هذا المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن التوحيد هو حق الله على عباده الذي لا يجوز التفريط فيه ، ولا الغفلة عنه ..
روى الشيخان البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : ( كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار ، فقال لي : ( يا معاذ ، أتدري ما حق الله على العباد ؟ وما حق العباد على الله ؟) قلت : الله ورسوله أعلم . قال : ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً ) ، قلت : يا رسول الله ، أفلا أبشر الناس ؟ . قال : ( لا تبشرهم فيتكلوا ) .التوحيد المأمور به :
إنه توحيد اعتقادي علمي ، وتوحيد عملي سلوكي .
وقد جرى كثير من المصنفين قديماً وحديثاً ، على تسمية النوع الأول من التوحيد (توحيد الربوبية) ، وعلى تسمية النوع الثاني ( توحيد الإلوهية).
فما معنى توحيد الربوبية ؟ وما معنى توحيد الإلوهية ؟

أولاً:توحيد الربوبية
معناه اعتقاد أنه تعالى رب السموات والأرض وخالق من فيهما وما فيهما ، ومالك الأمر في هذا العالم كله لا شريك له في ملكه ، ولا معقب عليه في حكمه، فهو وحده رب كل شئ ، ورازق كل حي ، ومدبر كل أمر ، وهو وحده الخافض الرافع ، المعطي المانع ، الضار النافع ، المعز المذل ، وكل من سواه وما سواه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً ، إلا بإذن الله ومشيئته
. وهذا القسم لم يجحده إلا الماديون الملحدون الذين ينكرون وجود الله تعالى ، كالدهريين قديماً والشيوعيين في عصرنا .
أما معظم المشركين كالعرب في الجاهلية فكانوا يعترفون بهذا النوع من التوحيد ولا ينكرونه ، كما حكى عنهم القرآن :
( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) العنكبوت 61
فهذه أجوبة المشركين ، تدل على أنهم يقرون بربوبية الله تعالى للكون وتدبيره لأمره ، وكان مقتضى إيمانهم بربوبيته تعالى للكون أن يعبدوه وحده ولا يشركوا بعبادة ربهم أحداً ، ولكنهم أنكروا القسم الآخر من التوحيد ، وهو توحيد الإلوهية .
ثانياً:توحيد الإلوهية :
ومعنى توحيد الإلوهية ، إفراد الله تعالى بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة ، فلا يعبد إلا الله وحده ، ولا يشرك به شئ في الأرض أو السماء .
ولا يتحقق التوحيد ما لم ينضم توحيد الإلهية إلى توحيد الربوبية . فإن هذا وحده لا يكفي ، فالعرب المشركون كانوا يقرون به ، ومع هذا لم يدخلهم ذلك في الإسلام لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، واتخذوا مع الله آلهة أخرى ، زعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى ، أو تشفع لهم عند الله .
ولكن ما معنى ( العبادة ) التي هي من حق الله وحده ؟
معنى العبادة:
العبادة كلمة تتضمن معنيين امتزج أحدهما بالآخر ، فصاروا شيئاً واحداً . وهما نهاية الخضوع مع نهاية الحب .
فالخضوع الكامل الممتزج بالحب الكامل هو معنى العبادة .
فأما حب بلا خضوع ، أو خضوع بلا حب ، فلا يحقق معنى العبادة .. وكذلك بعض الخضوع مع بعض الحب لا يحقق العبادة ، بل لا بد من كل الخضوع مع كل الحب .
وعرفها ابن تيمية بأنها (اسم جامع لكلّ ما يُحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.)
صور العبادة وأنواعها :
والعبادة ليست مقصورة على صورة واحدة ، كما يخيل لكثير من الناس ، بل لها أنواع وصور عديدة منها :
1- الدعاء : أى الاتجاه إلى الله تعالى بطلب نفع أودفع ضر ، أو رفع بلاء أو نصر على عدو ، أو نحو ذلك .
فهذا الاتجاه بالسؤال المنبعث من القلب لله تعالى هو مخ العبادة وروحها كما في الحديث ( الدعاء هو العبادة . ) رواه الترمذي.
2- ومنها : إقامة الشعائر الدينية ، مثل الصلاة والصيام والصدقة والحج والنذر والذبح وما شابه ذلك . فلا يجوز أن توجه هذه الشعائر إلا لله .

3- الانقياد والإذعان الديني لما شرع الله من أحكام ، أحل بها الحلال وحرم الحرام ، وحد الحدود ، ونظم شئون الحياة ، فلا يجوز لمن آمن بالله رباً أن يأخذ عن البشر النظم والأحكام والقيم والقوانين ، يخضع لها ويحكمها في حياته بغير سلطان من الله فهذا ضرب من العبادة .
التوحيد رسالة الأمة الإسلامية إلى الأمم:
والتوحيد كما هو رسالة في الحياة ، هو أيضاً رسالة الأمة المسلمة إلى العالم كله ، وإلى الأمم جميعاً .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم دعوته إلى كسرى وقيصر وغيرهما من ملوك الأرض وأمرائها، بهذه الآية الكريمة : ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا ًبعضاً أرباباً من دون الله،فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)آل عمران64.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان يعرفون هذه الرسالة وواجبهم نحوها ، وحين سأل رستم قائد الفرس ربعي بن عامر في حرب القادسية : من أنتم ؟ وما مهمتكم ؟ أجابه بقوله : ( نحن قوم بعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام )

التوحيد مصدر الأمان النفسي :
التوحيد يربي المسلم على ألا يخاف إلا الله ، ولا يرجو إلا الله ، المشرك يخاف من كل شيء ، ويخاف على كل شيء ، والمؤمن الذي وحد الله لا يخاف من شيء ، لأنه يحيا في الدنيا مطمئنا على رزقه ، فلا يخاف من الغد ، حتى الموت لا يخاف منه لأنه يعلم أن بعد الموت حياة أخرى يلقى فيها ربه .
فالإسلام بنى حقيقة التوحيد على الصلة بالله تبارك وتعالى فيما ينوب ويروع واليأس من الناس فيما لا يملكون فيه على الله بتا، ولا يقدمون نفعا ولا ضرا : (أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور ، أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور) الملك21،20 .
ومن هنا كان التوحيد مصدر الأمان النفسي قال تعالى حكاية عن إبراهيم لقومه (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) ) الأنعام
والظلم هنا هو الشرك، كما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود، أن النبي قال في هذه الآية حينما استعظم الصحابة هذه الآية وقالوا: يا رسول أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟
فقال: « ليس الذي تذهبون إليه، الظلم الشرك، ألم تسمعوا لقول العبد الصالح ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) لقمان:13
قال ابن كثير في الآية: أي: هؤلاء الذين اخلصوا العبادة لله وحده، ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
وقال عن المشركين ( سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله مالم ينزل به سلطانه ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ) آل عمران 151

التوحيد مصدر عزة المسلم :
فالموحد يؤمن بإله قادر قوي عزيز لا يغفل ولا يقهر ولا يذل
قال تعالى : (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) إن العزة كلها لله، فمن كان يريد العزة فليذهب إلى المصدر الأول،ليطلبها عند الله ، ولا يذهب يطلب قمامة الناس وفضلاتهم، وهم مثله محاويج ضعاف!
فالموحد لا يحني رأسه لمخلوق متجبر، ولا لقوة من قوى الأرض جيمعاً... فالعزة لله جميعاً.
قال بعض السلف (إن الناس يطلبون العزة في أبواب الملوك ولا يجدونها إلا في طاعة الله )
التذلل والانكسارلله عزة :
فتذلل العباد لربهم هي ذلة لمن له الخلق والأمر والغنى والملك ، وكل العباد رهن مشيئته وطوع أمره ، فالعزة الحقيقية ألاَّ تكون مغلوباً ولا مقهوراً لعبد مثلك ، فمهما بلغ الإنسانُ في الدنيا من القوة والجبروت لا بُدَّ أنْ يُغلب، ولا بُدَّ أنْ يقهره الموت، فإنْ كنتَ مغرماً بعزة لا تزول، فهي في جنب الله.
قال بعض السلف ( من أراد عزا بلا سلطان وكثرة بلا عشيرة وغنى بلا مال فلينتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة )
ولنتأمل هذا الذي يعبد فأرا ويذل نفسه له :


وذاك الذي يعبد بقرة أو ثعبانا أو حجرا بل وصل الأمر في الهند إلى عبادة فرج المرأة ، بل وأنواع شتى من الحشرات
الشرك أذل الإنسان وانحط به وصدق الله العظيم إذ يقول ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق ) الحج 31
فجاء الإسلام ليحررنا من العبودية لغير الله تبارك وتعالى، فالحمد لله على نعمة التوحيد لله ، نسأل الله أن يديمها علينا وأن يميتنا عليها وأن يحشرنا في زمرة أهلها ...آمين

  مشاركة رقم : 8  
قديم 05-03-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
Importance رد: صفات عباد الله الرحمن

جتناب القتل
اجتناب القتل لا زلنا نعيش مع عباد الرحمن ؛ مع هذه الطائفة الراضية المرضية الذين ذكرهم الله لنا في كتابه نموذجا يحتذى ويقتدى به ووقفنا في أوصافهم عند قوله تعالى :
( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا )الفرقان:68
فهم لا يدعون إلا الله وحده وبهذا حافظوا على الهدف الأول من رسالات الله إلى خلقه ، وهو العقيدة ، ولكن الشرائع الإلهية لم تأت لحفظ الدين والعقيدة فحسب ، إنما جاءت لحفظ الدماء والأنفس وحفظ الإعراض والحرمات والأنساب والعقول والأموال.
فمن هنا قرن الله هذه الصفة بصفة أخرى فقال : (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)
والقرآن قرن القتل بالشرك لبشاعة هذه الجريمة وفظاعتها ، الشرك اعتداء على الدين ، والقتل اعتداء على الحياة ، والحياة وديعة أودعها الله تعالى لصاحبها ، فكيف يجنى القاتل على حياة غيره، وهذه الحرمة متعلقة بكل مسلم ، وكذلك من عاهد المسلمين بعقد ذمة أو هدنة أو أمان ، بل كل من سالم المسلمين فلا يجوز قتله كما قال تعالى (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله عليكم سبيلا )النساء 90
ولقد بلغ من تحريم الإسلام هذه الجريمة النكراء: أن الله تعالى جعل قتل النفس الواحدة تعدل جريمة قتل الناس جميعا، وذلك لأن حق الحياة ثابت لكل نفس فقتل واحدة من هذه النفوس يعتبر تعديا على الحياة البشرية كلها، كما قال عز وجل: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة/32
ومن اجترأ على قتل مسلم فقد عصى الله ورسوله، وارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، مما يجر عليه الوبال والوعيد الشديد، قال عز وجل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/93
وحينما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، كان القتل فاشيا في أهل الجاهلية، يزهقون الأرواح عدوانا وظلما، وتثور بينهم الحروب الطاحنة التي يروح ضحيتها الكثير من النفوس البريئة عند أتفه الأسباب، فعمل صلى الله عليه وسلم على القضاء على ذلك، وأكد ما جاء في كتاب الله من النهي عن القتل و العدوان على النفس المعصومة، منددا صلى الله عليه وسلم غاية التنديد بمن يرتكب ذلك، مبينا ما توعد الله به مَن أقدَمَ على إزهاق روح معصوم الدم بغير حق من شديد العقاب وسوء الحال والمآل، فقال صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتلرجل مسلم) رواه النسائي
فإذا علمنا أن قتل المؤمن أعظم من زوال الدنيا علمنا خطورة وفظاعة القتل العمد بما لا يمكن للغة البشر أن تصفه وقد جمعه من أوتي جوامع الكلم في هذا اللفظ الوجيز .
ولحرمة هذه الدماء عند الله جل وعلا وأنها ليست رخيصة يسفكها من شاء في أي وقت شاء بل هي عظيمة عند الله جل وعلا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) رواه الترمذي عن أبي هريرة
ولقد بلغ من تحذيره صلى الله عليه وسلم عن قتل النفس، أن الإعانة على ذلك ولو بأدنى إعانة مشاركة للقاتل في الجريمة تستوجب لصاحبها المقت والطرد من رحمة الله ورضوانه، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله» رواه ابن ماجة بسند ضعيف
ولذا فإن أول ما يُقضى فيه يوم القيامة هو الدماءكما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أولُ ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة في الدماء ) رواه البخاري
ولا منافاة بين هذا وبين قوله ( أول ما يحاسب به العبدُ الصلاة ) رواه أبو داود
فهذا حق بينه وبين الله والدماء حق العباد .
وقد ورد عند النسائي وأبي داود من حديث ابن مسعود بلفظ ( أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس الدماء ) صححه الألباني
(وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)
(إلا بالحق ) إذن متى يجوز قتل النفس بحق ؟
حدد النبي صلى الله عليه وسلم حالات ثلاث فقال : ( لا يحلُ دمُ امرئ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث النفسُ بالنفسُ ، والثيب الزاني ، التارك لدينه المفارقُ للجماعة ) رواه البخاري ومسلم
فأما الحالة الأولى : فهي القصاص العادل من القاتل فوقوع القصاص عليه يضمن الحياة للمجتمع كله .
كما قال تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
البقرة 179
نعم .. حياةٌ بردع هؤلاء الذين يفكرون مجرد تفكير في الاعتداء على الناس .
وحياةٌ بكفَّ أهل المقتول عن الثأر قد لا يقف عند القاتل بل يتعداه إلى أهله ممن لا ذنب لهم ولا جريرة .
وحياة يأمن فيها كل فرد على نفسه لأنه يعلم يقيناً أن هناك قصاصاً عادلاً ينتظر كل من يتعدى حدود الله .
أما الحالة الثانية : التي يجوز فيها القتلُ وبالرجم فهي للثيب الزاني الذي رزقه اللهُ الحلال الطيب فراح يرتعُ في مستنقع الرذيلة العفن .
والحالة الثالثة : التي يجوز فيها القتلُ تكون لمن ترك دينه وخرج على الجماعة وانضم إلى جماعة أخرى مخالفة يعطيها ولاؤه، ويعادي جماعته الأصلية ،فهذا أشبه بما يسمى في عصرنا (خيانة الأمة والوطن ) ولا يعاقب بذلك من ارتد في نفسه ولم يجاهر بردته فهذا حسابه على الله .
ولا بد أن يستتاب المرتد ويناقش وتزال عنه الشبهة التي دفعته للردة وذلك من خلال العلماء .
هذه هي الحالات الثلاث التي تبيح قتل المسلم على يد ولي الأمر أو من
ينوب عنه .
أما فيما عدا هذه الحالات فإنه لا يجوز أبداً قتل النفس

حكم من قتل نفسه فمات منتحراً :
ولم ينتف هذا الوعيد الرهيب في حق من قتل نفسه منتحراً والعياذ بالله بل هو خالد في النار لما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من تردى من جبل (أي ألقى بنفسه) فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساهُ في نار جهنم خالداً فيها أبداً ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) رواه البخاري
يتوجأ : من الوجأ وهو الطعن بالسكين ونحوه
حكم إجهاض الجنين المشوه:
الحكم الشرعي للجنين المشوه يتلخص في أمرين :
الأول : علاج هذه التشوهات فإذا أمكن علاج الجنين وهو في بطن أمه - إذا تحقق الأطباء من وجود هذه التشوهات - فإن هذا هو الواجب.
الثاني : الإجهاض : وهل يصار إليه أو لا يصار إليه إذا لم يتمكن الأطباء من علاج هذه التشوهات ؟
حكمه :
هذه التشوهات يقسمها الفقهاء في الوقت الحاضر إلى نوعين:لنوع الأول: التشوهات التي تصل قبل نفخ الروح.
يعني : يكتشف أن هذا الجنين قد حصلت له عيوب خلقية قبل نفخ الروح.
فهذا أكثر المعاصرين يجوزون إجهاض الجنين في هذه المرحلة لقاعدة : ارتكاب أخف الضررين، فالإجهاض ضرر وخروجه معيباً عيباً خلقياً ضرر عليه وعلى والديه.
النوع الثاني: اكتشاف العيوب والتشوهات الخلقية بعد نفخ الروح.
فهذا لا يجوز إجهاضه؛ لما ورد من الأدلة على حرمة قتل النفس لأنه بعد نفخ الروح أصبح نفساً معصومة لا يجوز الإقدام على قتلها وانتهاك حرمتها .
لكن أكثر المعاصرين من العلماء يجوّزون إجهاض الجنين بعد نفخ الروح إذا كان في بقائه ضرر محقق على أمه، وعلى هذا إذا كان الجنين مشوها خلقيا ومريضا ومرضه سيؤدي إلى تضرر الأم - هلاك محقق- فيجوز الإجهاض.
أما إذا كان الضرر ظنيا فلا يجوز الإجهاض حينئذ لأنه قتل للنفس التي حرم الله إلا بالحق .
* تنبيه :
نلاحظ أن بعض الأطباء يفترضون الأسوأ لإبراء ذمتهم من أي تبعات قانونية وقد رأيت ذلك في العديد من الحالات قالوا بموتها أو بتشوهها وهؤلاء الأطفال أحياء يرزقون إلى الآن وولدوا أصحاء معافين ، فعلى الزوجين استشارة أكثر من طبيب ومراجعة أكثر من مستشفى في هذا الأمر ،ولله الأمر من قبل ومن بعد .
حكم القتل الخطأ :
وقد بينه الله جل وعلا في سورة النساء بقوله :
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } النساء:92
فالحالة الأولى : أن يقع القتل على مؤمن أهله مؤمنون في دار الإسلام .
وفي هذه الحالة يجب تحرير رقبة مؤمنة وديةٌ تسلمُ إلى أهل القتيل فأما تحرير الرقبة المؤمنة فهو تعويض للمجتمع المسلم عن قتل نفس بعتق نفس مؤمنة أخرى
وأما الدية فتسكين لثائرة نفوس أهل القتيل وشراء لخواطرهم بعد ما فجعوا في قتيلهم وتعويض لهم عن بعض ما فقدوه إلا أن يتصدَّقوا ويتنازلوا عن هذا الحق تسامحاً وتعاطفاً .
الحالة الثانية : أن يقع القتل على مؤمن وأهله محاربون للإسلام في دار الحرب .
وفي هذه الحالة يجب تحرير رقبة مؤمنة لتعويض النفس المؤمنة التي قتلت لكن لا يجوز دفع الدية لقوم القتيل المحاربين حتى لا يستعينوا بها على قتال المسلمين ، إذا لا مكان ولا مجال هنا لاسترضاء أهل القتيل لأنهم محاربون وأعداء للإسلام والمسلمين .
أما الحالة الثالثة : فهي أن يقع القتل على مؤمن أو على غير مؤمن قومه معاهدون أي لهم عهد هدنة أو عهد ذمة .

وفي هذه الحالة يجب أن تدفع الدية إلى أهله المعاهدين ولو لم يكن القتيل مؤمناً لأن عهدهم مع المؤمنين يجعل دماءهم مصونة كدماء المسلمين ويجب أيضاً على القاتل أن يعتق رقبة مؤمنة ، وفي عصرنا الحاضر لا يوجد عبيد فعليه أن يصوم شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا .
هذه هي أحكام القتل الخطأ .
وأخيراً : هل للقاتل المتعمد توبة ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة :
روى البخاري عن سعيد بن جبير قال : اختلف أهل الكوفة فَرَحَلْتُ فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال هذه الآية { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ....... } هي آخر ما ترك وما نسخها شيء .
وذهب أهل السنة وما عليه المحققون من علماء السلف أن القاتل المتعمد إن تاب تاب الله عليه لأن الأخذ بظاهر آية النساء ومن يقتل مؤمنا متعمداً ليس بأولى من الأخذ بظاهر قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ }الشورى : 25
ثم إن الجمع بين آية النساء وآية الفرقان ممكن فلا نسخ ولا تعارض وذلك بحمل الحكم المطلق في آية النساء على الحكم المقيد في آية الفرقان لا سيما وقد اتفقا في الحكم والسبب فيكون معناه : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } النساء:93
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } الفرقان : 70
وأما الأحاديث التي تذكر هذا أيضاً فهي كثيرة منها ما رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فمن وفَىَّ منكم فأجره على الله ، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه ، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ) رواه البخاري
وكذلك حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ؟ فدٌل على راهب ، فأتاه ، فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفساً ، فهل له من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله ، فكمل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ؟ فدُل على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس ، فهل له من توبة ؟ فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك ، فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق ، أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائباً ، مقبلا إلى الله ، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا مابين الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة ) رواه البخاري
فالخلاصة أن من قتل مؤمناً متعمداً فتاب تاب الله عليه أما إن لم يتب وأصر على الذنب حتى وافى ربه على ما هو عليه من شؤم المعصية{فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } النساء:93

  مشاركة رقم : 9  
قديم 05-20-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
Importance رد: صفات عباد الله الرحمن

اجتناب الزنا
اجتناب الزنا
لا زلنا نعيش في رحاب القرآن مع عباد الرحمن ؛ ووقفنا في أوصافهم عند قوله تعالى :
( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا )الفرقان:68
وبعد كلامنا عن التوحيد واجتناب القتل نتحدث اليوم عن صفة أخرى داخلة في المنهيات وهي اجتناب الزنا (ولا يزنون )
فالإسلام دين الطهر والعفة والنقاء، جاء لينظم الغريزة البشرية ويهذبها ويجريها في مجراها الطبيعي .

يقول ابن القيم رحمه الله "أصول المعاصي كلها ثلاثة: تعلق القلب بغير الله وطاعة القوة الغضبية وطاعة القوة الشهوانية. فغاية التعلق بغير الله الشرك وان يدعوا مع الله إلها آخر وغاية طاعة القوة الغضبية القتل وغاية طاعة القوة الشهوانية الزنا"
ومن هنا نهى الإسلام عن الزنا ونهى عن كل ذريعة توصل إليه أو تقرب منه ، فحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية ، وحرم النظر بشهوة ،وحرم التبرج بالزينة ،وحرم كل ما يغري الناس بالفاحشة ،بتطهير البيئة الإسلامية من أسباب الإغراء والفساد .
وحرم الإسلام كل مايغري بالفواحش فلا تظهر في المجتمع المسلم صورة عارية ولا أغنية ماجنة ولا أدب مكشوف .
وحرص الإسلام على إقامة سياج كبير أو سورعال يحول بين المسلم وبين وقوعه في فاحشة الزنا ، فبدأ بتربية الفرد على أن يعف نفسه بغض بصره سواء كان رجلا أم امرأة (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور 30:31
وأمر المسلم أن يستعف حتي يجد القدرة على الزواج الحلال (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور 33
وروى الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج"
لماذا حرم الإسلام الزنا ؟alt
حرم الإسلام الزنا واعتبره من كبائر الإثم لمصلحتنا ؛ فليس لله حاجة في أن يحلل أو يحرم ، إن الله لا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا ،وإنما يحلل الطيب ويحرم الخبيث ،فإذا حرم الزنا فهو لتزكية الإنسان والسمو به ،إنه يريد أن يحمي إيمان المؤمن فلا يكون إلا عبدا لله ،لا عبدا للغريزة ،ولا عبدا للشهوة ،ولا عبدا لامرأة ،ولا لأي شيء ؛إلا أن يكون عبدا لله تبارك وتعالى .
ومن هنا جاء الحديث (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري ومسلم
لأنه في حال الزنا ينزع منه الإيمان ؛ فالإيمان سربال (قميص ) يسربله الله من يشاء ،فإن زنى ينخلع عنه هذا السربال ويكون عليه كالظلة فإذا تاب رجع إليه سربال الإيمان كما جاء في الحديث عن أبي هريرة (إذا زنا أحدكم خرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة ،فإذا انقلع رجع إليه الإيمان) رواه أبو داود
إنه يريد أن يحمي المؤمن ، ويريد أن يحمي أخلاقه ،لا يريد أن يكون المؤمن كالحيوان يفعل ما يشتهي ، بل يفعل ما ينبغي ،وقد ميز الله الإنسان بالعقل ليفكر قبل أن يقدم على أي أمر .
أما الذين يفعلون ما تحلو لهم أنفسهم ، وماتزين لهم شهواتهم وما توسوس إليه شياطينهم دون أي رادع أو زاجر فقد انخلعوا من الإنسانية إلى الحيوانية ،لأن الحيوان لا يحركه إلا غرائزه ، أما الإنسان العاقل فهو الذي يفعل ما ينبغي وبحكمة مستنيرا بنور الشرع وهدايته .
ومع حرص الإسلام على العناية بأخلاق المسلم وحماية أخلاقه فإنه يريد أن يحمي صحته ،لأن المجتمع إذا أطلقت فيه الغرائز انتشرت فيه الأمراض المعدية انتشار النار في الهشيم وقد ابتلى الله الزناة بالأمراض الجنسية الخطيرة كالسيلان (سمي بذلك لتقاطر سائل أصفر صديدي من فتحة القضيب مع ألم شديد )والزهري (ظهور قرحة على الجلد تنتقل مع الاتصال الجنسي المحرم ) نقرتين لعرض الصورة في صف� ة مستقلة
وذكر الأطباء ثمانية وعشرون مرضا من الأمراض الجنسية والتناسلية ، لعل آخرها وأخطرها (الإيدز ) وهو عبارة عن اختصار للكلمات الدالة على المرض (نقص المناعة الطبيعية والمكتسبة لدى الإنسان )هذه الأمراض الخطيرة سلطها الله على الناس جزاء خروجهم على الفطرة التي فطر الناس عليها ، وهي أن يكون للمرأة رجلا واحدا من خلال الزواج ، ليكوّنا الأسرة التي هي نواة المجتمع .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من وقوع سخط الله عند انتشار الفواحش فقال : (لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في إسلافهم ) رواه الحاكم وصححه الألباني
الفاحشة موجودة من قديم الدهر ،وليس الخطر في وجودها ؛إنما الخطر في انتشارها وظهورها علانية .
روى الإمام أحمد عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ قَالَتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:
( لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَإِذَا فَشَا فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَيُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِعِقَابٍ )
فالإسلام حرم الزنا لمصلحة الفرد وسلامته وسلامة المجتمع ، ومن هنا شرع النكاح وحرم السفاح ،وحمى الإنسان من اختلاط الأنساب ، يخرج الطفل إلى الدنيا لا يدري من أبوه ؟ ويتشكك الأب أهذا الذي يربيه ابنه أم ابن غيره ؟
والزنا يورث حزناً في القلب لأنه ممارسة تضاد الفطرة السليمة التي خلق الله الناس عليها.
ومن تلبيس إبليس أن كثير من الناس يظنون أن الملتزمين بهذا الدين يعيشون حياة كآبة لا فرح فيها ولا مرح و كل الفرح والمرح في معصية الله، ولا يعرف هؤلاء الجهلاء كم يعيش العصاة في حزن وشقاوة .
فالبلاد الغربية رغم ما فيها من حرية الحب ،أو الحرية الجنسية هي أكبر البلاد نسبة في الانتحار ، لم يحل القوم المشكلة ، إنهم كلما ازدادوا شربا ازدادوا عطشا فلا حل ولا استقرار إلا داخل الإطار الصحيح وهو الزواج .

الشذوذ الجنسي :
وهوصورة من صور انتكاس الفطرة قديما وحديثاوهوعبارة عن اشتهاء الرجل للرجل واشتهاء المرأة للمرأة فيما يعرف بـ (السحاق ) وقد علت أصوات هؤلاء وصارت لهم حقوق رسمية في العالم الغربي لأن لهم أصوات انتخابية .
وفي هذه القضية نقول :إن الحياة لا تقوم إلا على زوجين مختلفين هما الذكر والأنثى لا على مثلين متشابهين، فاستغناء الرجال عن النساء أواستغناء النساء عن الرجال يعني فناء البشرية.
فالأصل في الإنسان أنه مجبول على أن يميل إلى الجنس الآخر، فالرجل يميل إلى المرأة والمرأة تميل إلى الرجل ولا يستغني أحدهما عن الآخر.
فما يسمى بـ « المثلية» تعتبر شذوذا عن الفطرة الإنسانية وتعتبر فاحشة محرمة عقوبتها مثل عقوبة الزنا.
والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من ذكر وأنثى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى} وفي آية أخرى {وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا}.والأصل هو الميل الفطري بين الجنسين .
والقرآن ذكر أن الكون قائم على الزوجية وليس على المِثلية وقاعدة الزوجية قاعدة كونية {سبْحَانَ الَذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لا يَعْلَمُونَ} ، {ومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}
فكل ما يضاد الفطرة ليس من ورائه مصلحة لا للإنسان ولا لغيره من الأحياء.
وقد حكى القرآن الكريم لنا قصة قرية ارتكبت الخبائث وهي قرية قوم لوط الذين قال لهم نبيهم: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ وتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} ووصفهم بالعدوان والجهل وبالإسراف {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} وفي آية أخرى وصفهم بالإفساد {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِينَ}
وقد عاقب قوم لوط وخسف بهم الأرض، فقد جعل عاليها سافلها وأمطر عليها {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ}، كل حجر ذهب لصاحبه ليصيبه فالحجارة للأشخاص والبلدة أصبح عاليها سافلها ، وما حدث لهذه القرية يجب أن يكون مثلا وعبرة للناس إلى يوم القيامة حيث يظل التهديد الإلهي قائما بنص قوله تعالى: {ومَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}..
هل باب التوبة مفتوح أمام العصاة؟
نعم مفتوح أمام العصاة ،فبإمكانهم أن يتوبوا إلى الله وباب التوبة مفتوح {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} وفي صفات عباد الرحمن التي نتناولها يقول تعالى : {والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهاً آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إلاَّ مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )وسوف نتكلم الأسبوع القادم إن شاء الله عن التوبة .

نسأل الله لشبابنا عفة يوسف عليه السلام وطهارة مريم عليها السلام
وأن ييسر الزواج وأن يكثر من نسل المسلمين

  مشاركة رقم : 10  
قديم 05-20-2015
نعمة حكيم
قسم الاسرة والحياة الزوجية

رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jul 2014
المشاركات : 1,113
بمعدل : 0.31 يوميا
معدل تقييم المستوى : 11
المستوى : نعمة حكيم نشيط

نعمة حكيم غير متواجد حالياً عرض البوم صور نعمة حكيم



كاتب الموضوع : نعمة حكيم المنتدى : قسم الإســلامي العام
Importance رد: صفات عباد الله الرحمن

التوبة النصوح
لا زلنا نعيش في رحاب القرآن مع عباد الرحمن ؛ الذين شرفهم الله بالإضافة إلى نفسه ووقفنا في أوصافهم عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان
لقد وصفهم الله بعمل الخيرات واجتناب السيئات فهم (لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ )ومن فعل شيئا من هذه الكبائر (يلق أثاما ) أي جزاء ونكالا ( يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) عذاب مضاعف يكرر عليه ويغلظ ، وعذاب جهنم ليس يوم ولا يومين ولا سنة ولا سنتين ...إنه الخلود (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) ومع العذاب المادي هناك إهانة نفسية معنوية ؛إنه يخلد في هذا العذاب حقيرا مهانا ذليلا ، مهما كانت مكانته في الدنيا فهو عند الله ذليل .
هذا شأن من يرتكبون تلك الكبائر، لكن هل سد عليهم الباب فلا رحمة ينتظرونها ولا عفو يرتقبونه ؟ كلا فقد استثنى الله عز وجل ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )
هكذا فتح الله باب التوبة على مصراعيه ، وهذا من رحمة الله بعباده فهو سبحانه يعلم ضعفهم ، وما أودع فيهم من الغرائز ، ويعلم وسوسة الشيطان لهم ، علم الله ذلك ففتح لهم باب التوبة وهو سبحانه الذي سمى نفسه التواب وأخبر أنه (يحب التوابين ويحب المتطهرين ) البقرة 222
فلو شاء لخلقنا ملائكة لا نعصي لكنه خلقنا بشرا نصيب ونخطيء ونستغفر ونتوب فيتوب الله علينا ،فلابد لأسماء الله الحسنى أن تعمل عملها فإن من أسماء الله تعالى: الغفار والعفو والتواب، فإذا كان الإنسان متطهراً لا يذنب فعن من يعفو الله وعلى من يتوب الله ولمن يغفر الله، ولهذا جاء في الحديث الصحيح "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" رواه مسلم عن أبي هريرة
ولهذا كانت الذنوب طبيعية من الإنسان، غير الطبيعي أن يستمرئ الإنسان المعاصي وأن يستمر في طريق الذنوب ولا يرجع إلى الله، هذا هو الخطر، الخطر الاستمرار في الخروج عن الله، الخطر في عدم اليقظة التي ترد الإنسان إلى الله بعد شروده، ولهذا كان هناك أشياء جعلها الله مطهرات، ومكفرات للذنوب التي تقع من الإنسان، أول هذه المطهرات : التوبة
والتوبة تغسل الإنسان من الذنب كما يغسل الماء الجسم من الوسخ، إذا صحت بأركانها وشروطها فمن تاب تاب الله عليه ( والتائب من الذنب كمن لا ذنب له)
ولذلك سئل بعض السلف: هل إذا تبت تاب الله عليّ؟ قال:
بل يا جاهل إذا تاب الله عليك تبت، أما قرأت قول الله تعالى (ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) أي أن توبة الله عليك أسبق من توبتك إليه، ومعنى توبة الله عليك أن يوفقك إلى التوبة، ما دام قد حركك لتتوب وتندم وترجع إليه فهذا دليل على أنه قد تاب عليك.
إن آدم أبا البشر أخطأ ونسي ولم يجد له الله عزما، ولكنه سرعان ما راجع نفسه، وعاد يقرع باب ربه، ويقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف:23
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة:37.
التوبة هي الممحاة التي منحها الله للإنسان، ليستطيع أن يغسل بها ذنوبه، وأن يتطهر بها من ماضيه، وأن يتحرر من آثاره، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}النور:31
والله تعالى يقول في كتابه (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) فهم مذنبون ومسرفون على أنفسهم بمعاصي الله، لكنه يقول (قُلْ يَا عِبَادِيَ) أي لم يحرمهم من شرف العبودية لله والانتساب إلى الله، فكل الذنوب تمحى بالتوبة حتى الشرك (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ)، والإمام الحسن البصري لما قرأ في سورة البروج قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ) فهم شقوا الأخاديد ووضعوا فيها النار، وحرقوا فيها المؤمنين، والقرآن مع ذلك فتح لهم الباب ليتوبوا، ثم لم يتوبوا، فهل هناك أكثر من هذا؟ قال سبحان الله فعلوا مافعلوا ثم عرض عليهم التوبة .
فليس هناك ذنب يستعصي على التوبة، وعندنا في صحيح البخاري قصة الرجل قاتل التسعة وتسعين نفسًا، وعندما ذهب إلى أحد العباد قال له: اذهب أنت ليست لك توبة، فقال له: أنا ليس لي توبة سأكمل بك المائة، فاليأس يجعل الإنسان يفعل ما يشاء، وعندما ذهب إلى عالم لم يغلق في وجهه باب التوبة، وقال له انتقل فقط من قرية طالحة إلى قرية صالحة.
حقيقة التوبة ومعناها :
إن التوبة ليست كلامًا يقال باللسان، كما يظن بعض الناس، حين يقول: تبتُ إلى الله، ورجعتُ إلى الله، وندمتُ على معصية الله، وعزمتُ على طاعة الله ...
لا ... هذا ليس هو التوبة ؛ فالتوبة مزيج مُركَّب من عدة أشياء:
أولها: الندم على معصية الله :
كما سئل أنس أقال النبي صلى الله عليه وسلم (الندم توبة ؟ قال نعم ) رواه أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر
أن يغمر القلب شعور بالأسى والحسرة على ما فرط في جنب الله، شعور يشبه شعور الثلاثة الذين خُلِفوا، حين (ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم) التوبة 118
ضاقت عليهم الدنيا بسعتها وضاقت عليهم أنفسهم (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) هذا هو شعور التائب وهذا معنى الندم .
الركن الثاني للتوبة العزم الصادق ألا يعود إلى الذنب :
العزم على الطاعة، وعلى ترك المعصية، لا بد من هذه العزيمة الأكيدة فيكون التائب ساعة التوبة قاطع العزم كحد السيف ، حتى وإن زل بعد ذلك قد يغلبه هواه ، قد يستجيب للشيطان ، المهم ساعة التوبة العزم الأكيد ألا يعود للذنب .
الركن الثالث للتوبة أن يقلع بالفعل عن الذنب :
لأن التوبة رجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعن السيئات إلى الحسنات ،رجوع عن طريق الشيطان إلى طريق الرحمن ، فلا بد من تغيير الطريق ، وتغيير صحبة السوء
كما قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) والتوبة النصوح معناها الخالصة من الغش ، ليست توبة الكذابين الذين يتوبون بألسنتهم وقلوبهم مصرة على المعصية .
ثم شيء آخر، وهو أن يعمل صالحًا بالفعل، مكان السيئات يبدِّلها حسنات وصالحات، يُغيِّر ما كان عليه ... بدل قول الزور يتكلم الحق،إذا كان يغتاب المسلمين فليجعل من حسناته أن يدعو لهم ، وإن كان يؤذى الناس فليكن من حسناته تقديم النفع للناس ، بدل عمل السوء يعمل صالحًا، بدل بيئة السوء يُغيِّرها إلي بيئة حسنة، بيئة صالحة، تُساعده على فعل الخير ...
لا بد من هذا ... ومن هنا جعل القرآن بعد التوبة ... الإيمان والعمل الصالح: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عملاصَالِحًا} الفرقان 70
لماذا جعل الإيمان والعمل الصالح بعد التوبة ؟
وقد قرن الله التوبة بالإيمان، لأن المعاصي -وخاصة الكبائر- تخدش الإيمان وتجرحه، فـ"لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" متفق عليه.
فلا بد أن يُجدِّد إيمانه بالتوبة ... وأن يعمل بعد ذلك صالحا.
فإذا استجمعت التوبة شرائطها فإن الله يقبلها كما قال تعالى ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الشورى
معنى قوله تعالى " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما "
في معنى قوله " يبدل الله سيئاتهم حسنات " قولان :
أحدهما : أن حياتهم قد تغيرت ،وأعمالهم قد تبدلت فهم تحولوا من حياة المعصية إلى الطاعة ومن الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الحسنة ، ومن الرياء إلى الإخلاص
وقال عطاء بن أبي رباح هذا في الدنيا يكون الرجل على صفة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرا
وقال الحسن البصري أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح وأبدلهم بالشرك إخلاصا وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلاما
والقول الثاني : أن تلك السيئات الماضية تنقلب بالتوبة النصوح حسنات وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار فيوم القيامة وإن وجده مكتوبا عليه فإنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته كما ثبتت السنة بذلك وصحت به الآثار المروية عن السلف رضي الله عنهم فعن أبي ذر رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار وآخر أهل الجنة دخولا إلى الجنة ; يؤتى برجل فيقول نحّوا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها قال فيقال له عملت يوم كذا : كذا وكذا وعملت يوم كذا : كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا فيقال : فإن لك بكل سيئة حسنة فيقول يا رب عملت أشياء لا أراها ههنا " قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه )رواه مسلم
موانع التوبة :
ولكن ... ما الذي يُعجز الناس عن التوبة؟ ما الذي يُؤخرهم أن يتوبوا؟ هذه مسألة لا بد أن نعرفها.
إن الذي يُؤخر الناس عن التوبة عدة أمور:
أولها: التسويف :
التسويف ... طول الأمل ... اعتقاد الإنسان أنه لا يزال له في العُمر مُتسع، وفي الحياة مدى بعيد.
فابن العشرين يظن أن أمامه مُتسع ومثله ابن الثلاثين وابن الأربعين ...
كل إنسان عنده طول أمل ... وهذا للأسف يُضيِّع على الناس فُرص التوبة، فمَن الذي يدري أيعيش اليوم أم لا يعيش؟
مَن الذي يدري إذا خرج من بيته أيعود إليه حيا أم يعود إليه ميتًا؟ أيعود إليه حاملاً أم يعود محمولاً؟
تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري إذا جنَّ ليل هــل تعيش إلى الفجر؟
فكم من صحيح مات من غير عِلَّة وكم من سقيم عـاش حينًا من الدهر
وكم من فتى يُمسي ويُصبح آمنًا وقد نُسجت أكفانه وهو لا يــدري
الشيء الثاني: هو الاستهانة بالمعصية :
الاستهانة بالمعصية ... الاستخفاف بها، استصغار المعصية ... يظن أن هذا شيء بسيط، وهذا ليس من شأن المؤمن ، والقرآن يشير إلى هذا الأمر حينما تحدث بعض المسلمين عن حديث الإفك (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)النور
وجاء في الحديث: "المؤمن يري ذنبه كالجبل، يخاف أن يقع عليه، والمنافق يري ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال هكذا وهكذا"رواه البخاري عن ابن مسعود.
أي أطاره من على أنفه ...
وهذا هو الذي جعل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يذهب إلى حذيفة ويستحلفه بالله هل ذكره له النبي من المنافقين أم لا؟
والعلماء يقولون : ما خشي النفاق إلا مؤمن ولا آمنه إلا منافق، فالمنافق آمن على نفسه، إنما المؤمن يخشى أن يكون داخلاً في المنافقين وهو لا يدري
ومرض بعض الصالحين، فدخل عليه مَن يعوده، فوجده يبكي بكاءً حارًا، فقيل له: يا أبا فلان ... مالك تبكي؟ وأنت الذي فعلت وفعلت ... ما رأينا عليك حُرمة انتهكتَها، ولا فريضة تركتَها ... فقال: والله ما أبكي على ذلك، ولكن أبكي لأني أخاف أن أكون قد أتيت ذنبًا أحسبه هينًا وهو عند الله عظيم.
وقد قال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر من عصيت؟!!
المانع الثالث: الاتكال على عفو الله :
ثم هناك مانع نفسي آخرهو الاتكال على عفو الله، وهذه أمنية يبذُرها الشيطان في قلب بعض الناس: {يأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} الأعراف:169 هكذا كان يفعل اليهود ... يأخذون متاع الحياة الدنيا ويقولون: سيغفر لنا، ينظرون إلى جانب العفو والمغفرة، ولا ينظرون إلى جانب البطش والعقاب، والله تعالى يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}الحجر:49،50.
وكما قال الحسن البصري: كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ، صحيح أن رحمته وسعت كل شيء، ولكن لمَن كتب هذه الرحمة؟ إنه يقول: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} الأعراف: 156
ويقول: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف:56
فإذا نظر الإنسان إلى قوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}، فيكمل الآية {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} غافر:3.
أما المانع الرابع:الاحتجاج بالقدر:
وبعض الناس يقول: ربنا كتب عليّ هذا.
هذه حقيقة، فالله كتب مقادير كل شيء... لكن لا يجوز الاحتجاج بالقدر، فنحن نرضى بالقدر، ونؤمن به، لكن لا نجعله حجة لنا، وأهل الشرك هم الذين فعلوا ذلك، حيث قالوا (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا) الأنعام
فكيف عرفت أن ربنا كتب عليك هذا؟ وإن كنت عرفت هذا فيما مضى بحكم الوقوع، فكيف عرفت في القادم إن ربنا كتب لك الطاعة أو المعصية؟
فهذا شأن الإنسان المؤمن يتأدب بأدب العبودية، ولا ينسب المعصية إلى الله ـ عز وجل ـ وتحدث القرآن عمن يستغفرون (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) فهم اتهموا أنفسهم، ولم يقولوا إن ربنا هو الذي فعل بنا، لكنهم قالوا: نحن الذين قصرنا فجرى علينا ما جرى.
أيها الإخوة: ينبغي أن نُسارع بالتوبة ... ينبغي أن نُبادر فنُراجع حسابنا مع الله عز وجل، ونصحح أخطاءنا، ونقف على باب ربنا مُستغفرين تائبين، نقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف:23
خير ما نخرج به من دنيانا توبة صادقة نصوح، نكفر بها سيئاتنا، ونغسل بها أوزارنا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} التحريم:8.
أسأل الله عز وجل، أن يتوب علينا، وأن يوفقنا إلى التوبة الصادقة النصوح.. إنه سميع قريب

إضافة رد


مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الله, الرحمن, صفات, عباد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الساعة الآن 02:47 PM.

Powered by vBulletin® Version v3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef
ما يطرح بالمنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وإنما تعبر عن وجهة نظر كاتبها أو قائلها