أنت غير مسجل في مسلم أون لاين . للتسجيل الرجاء أضغط هنـا
 

الإعلانات النصية


الإهداءات

العودة   منتديات مسلم أون لاين العودة مسلم أون لاين العـــام العودة قسم الحوار والنقاش العــام

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  مشاركة رقم : 1  
قديم 09-19-2016
رحيق مختوم


رقم العضوية : 67
تاريخ التسجيل : Oct 2015
الدولة : سوريا طرطوس
المشاركات : 119
بمعدل : 0.04 يوميا
معدل تقييم المستوى : 9
المستوى : رحيق مختوم نشيط

رحيق مختوم غير متواجد حالياً عرض البوم صور رحيق مختوم



المنتدى : قسم الحوار والنقاش العــام
افتراضي ابدا باسم الله مستعينا راض به مدبرا معينا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ازواجه وذريته وآله واصحابه ومن والاهم وبعد: فاننا نَشْرَحُ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ سِلْسِلَةً مِنْ سِلْسِلَةِ الدَّوْرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَهِيَ سُلَّمُ الْوُصُولِ لِلشَّيْخِ حَافِظِ بْنِ اَحْمَدَ الْحَكَمِيّ: نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي اَدْعُو اِلَى اللهِ: عَلَى بَصِيرَةٍ اَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي: وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَااَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين( نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: مِنْ شُرُوطِ أَيِّ اِنْسَانٍ يُرِيدُ اَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَمَلِ الدَّعَوِيِّ: تَحْصِيلُ الْبَصِيرَة: وَالْبَصِيرَةُ تَاْتِي بِاَحَدِ اَمْرَيْنِ: اِمَّا بِالْعِلْمِ: اَوْ بِالْعِبَادَةِ: وَطَبْعاً اَحَدُهُمَا لَايُغْنِي عَنِ الْآَخَرِ: فَلَابُدَّ مِنْ تَحْصِيلِ الْبَصِيرَةِ بِالِاثْنَيْنِ مَعاً: وَنَحْنُ طَبْعاً فِي هَذِهِ السِّلْسِلَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ: هَدَفُنَا مِنْهَا تَحْصِيلُ الْبَصِيرَةِ فِي الدَّعْوَةِ اِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلّ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَبَيْنَ اَيْدِينَا الْيَوْمَ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَة: كِتَابُ سُلَّمِ الْوُصُولِ فِي مَعَارِجِ الْقَبُولِ لِلشَّيْخِ حَافِظ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وُلِدَ الشَّيْخُ حَافِظُ فِي 24 9 1342 مِنْ حَوَالَيْ 75 سَنَة بِمَدِينَةِ جَازَانَ فِي السُّعُودِيَّة: وَكَانَ طَلَبُهُ لِلْعِلْمِ عِنْدَ بُلُوغِهِ سَبْعَ سَنَوَات: فَالْتَحَقَ بِمَدْرَسَةِ تَعْلِيمِ الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ حَتَّى اَتَمَّ قِراءَةَ الْقُرْآَن ِمُجَوَّدَةً خِلَالَ اَشْهُرٍ مَعْدُودَة: ثُمَّ اَكْمَلَ حِفْظَهُ حِفْظاً تَامّاً بُعَيْدَ ذَلِكَ بِفَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ: وَقَدْ بَدَاَ بِحِفْظِ الْقُرْآَن ِفِي السَّابِعَةِ: وَاَتَمَّ حِفْظَهُ فِي الْعَاشِرَةِ: نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا عِلْمُهُ وَمُؤَلَّفَاتُهُ: فَقَدْ طَلَبَ الْعِلْمَ عَلَى يَدِ شَيْخِهِ الْجَلِيلِ عَبْدِ اللهِ الْقَرْعَاوِيِّ رَحِمَهُ الله: مَعَ الْحِرْصِ عَلَى اقْتِنَاءِ الْكُتُبِ الْقَيِّمَةِ وَالنَّادِرَةِ مِنْ اُمَّهَاتِ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ: مَعَ اسْتِيعَابِهَا قِرَاءَةً وَفَهْماً: وَعِنْدَمَا بَلَغَ التَّاسِعَةَ عَشَرَ مِنْ عُمُرِهِ: اِلْتَمَسَ مِنْهُ شَيْخُهُ الْقَرْعَاوِيُّ النَّجَابَةَ وَالْاِبْدَاعَ: فَطَلَبَ مِنْهُ اَنْ يُؤَلِّفَ كِتَاباً فِي تَوْحِيدِ اللهِ: يَشْتَمِلُ عَلَى عَقِيدَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ: عَلَى اَنْ يَكُونَ نَظْماً؟ لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ عَلَى الطُّلَّابِ: فَصَنَّفَ مَنْظُومَتَهُ: سُلَّمَ الْوُصُولِ اِلَى عِلْمِ الْاُصُولِ:وَالَّتِي انْتَهَى مِنْ تَسْوِيدِهَا سَنَةَ1362 هِجْرِيَّة: وَقَدْ اَجَادَ فِيهَا: وَلَاقَتِ اسْتِحْسَانَ شَيْخِهِ وَالْعُلَمَاءِ الْمُعَاصِرِينَ: ثُمَّ تَابَعَ التَّصْنِيفَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَاَلَّفَ كِتَاباً فِي التَّوْحِيدِ: وَالسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: وَمُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ: وَالْفِقْهِ: وَالْاُصُولِ: وَالْفَرَائِضِ: وَالْوَصَايَا: وَالْآَدَابِ: وَغَيْرِ ذَلِكَ: نَظْماً وَنَثْراً: نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَبَعْدَ انْتِهَائِهِ مِنْ اَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ سَنَةَ 1377 هِجْرِيَّة: اِنْتَقَلَ اِلَى رَحْمَةِ اللهِ فِي مَكَّة: عَلَى اَثَرِ مَرَضٍ اَلَمَّ بِهِ: وَهُوَ فِي مُقْتَبَلِ شَبَابِهِ: حَيْثُ كَانَ عُمُرُهُ آَنَذَاكَ خَمْساً وَثَلَاثِينَ سَنَة: فَدُفِنَ بِهَا: فَرَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ هِيَ تَرْجَمَةُ حَيَاةِ الشَّيْخِ حَافِظِ بْنِ اَحْمَدَ الْحَكَمِيِّ: وَهُوَ صَاحِبُ الْمُؤَلَّفِ الَّذِي مَعَنَا فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ،وَمِمَّا يُثْلِجُ الصُّدُورَ اَيُّهَا الْاِخْوَة: هَذِهِ الْهِمَّةُ الْعَالِيَةُ الَّتِي بَدَاَتْ عِنْدَ شَابٍّ صَغِيرٍ: عُمُرُهُ 19 سَنَة: فِي تَاْلِيفِ سُلَّمٍ الْوُصُولِ: وَفِي كِتَابٍ آَخَرَ اَيْضاً: وَهُوَ 200 سُؤَالٍ وَجَوَابٍ فِي الْعَقِيدَةِ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: يَقُولُ الشَّيْخُ حَافِظُ فِي مُقَدِّمَتِهِ مَايَلِي: اَبْدَاُ بِاسْمِ اللهِ مُسْتَعِينَا: رَاضٍ بِهِ مُدَبِّراً مُعِينَا: وَالْحَمْدُ لِلهِ كَمَا هَدَانَا: اِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا: اَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَاَشْكُرُهُ: وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي اَسْتَغْفِرُهُ: وَاَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا: وَاَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِيمَا قَضَى: وَبَعْدُ فَاِنِّي بَالْيَقِينِ اَشْهَدُ: شَهَادَةَ الْاِخْلَاصِ اَلَّا يُعْبَدُ: بِالْحَقِّ مَاْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ: مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ: وَاَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّداً: مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَباِلْهُدَى: رَسُولُهُ اِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ: بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ: صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا: وَالْآَلِ وَالصَّحْبِ دَوَاماً سَرْمدَا: وَبَعْدَ هَذَا النَّظْمِ فِي الْاُصُولِ: لِمَنْ اَرَادَ مَنْهَجَ الرَّسُولِ: سَاَلَنِي اِيَّاهُ مَنْ لَابُدَّ لِي: مِنِ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ: فَقُلْتُ مَعَ عَجْزِي وَمَعَ اِشْفَاقِي: مُعْتَمِداً عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي: نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: هَذِهِ هِيَ مُقَدِّمَةُ الْقَصِيدَةِ الشِّعْرِيَّةِ الْاُرْجُوزَةِ: وَقَدْ قَرَاْنَا مِنْهَا 12 بَيْتاً: يَقُولُ الشَّيْخُ فِيهَا: اَبْدَاُ بِاسْمِ اللهِ مُسْتَعِينَا: بِمَعْنَى اَنَّهُ يَبْدَاُ هَذَا الْعَمَلَ بِاسْمِ اللِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالْبَاءُ فِي بِسْمِ اللهِ: مَعْنَاهَا: اِمَّا عَلَى الِاسْتِعَانَةِ: بِمَعْنَى: اَبْدَاُ مُسْتَعِيناً بِاللهِ: اَوْ عَلَى الْمُصَاحَبَةِ: بِمَعْنَى: اَبْدَاُ مُصَاحِباً لِاسْمِ اللهِ: اَوْ بِصُحْبَةِ اسْمِ اللهِ: اَوْ اَطْلُبُ مِنَ اللهِ اَنْ يَصْحَبَنِي اسْمُهُ حَامِياً لِي فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِي وَسَكَنَاتِي وَتَصَرُّفَاتِي: ثُمَّ يَقُولُ الشَّيْخُ: رَاضٍ بِهِ: أَيْ رَاضٍ بِاللهِ: مُدَبِّراً لِاَمْرِي: وَمُعِيناً لِي: وَالْحَمْدُ لِلهِ كَمَا هَدَانَا، نعم ايها الاخوة: مَاهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ كَلِمَة اَلْحَمْدُ لِلهِ: وَبَيْنَ كَلِمَةِ الشُّكْرُ لِلهِ؟ نَعَمْ اَخِي: اَلْحَمْدُ: اَخَصُّ مِنْ جِهَةٍ مِنْ كَلِمَةِ الشُّكْرِ فِي مَعْنَاهَا: وَاَعَمُّ مِنْ جِهَةٍ اُخْرَى مِنْ كَلِمَةِ الشُّكْرِ فِي مَعْنَاهَا اَيْضاً: نعم اخي: وَكَذَلِكَ كَلِمَةُ الشُّكْرِ: فَهِيَ اَخَصُّ مِنْ جِهَةٍ مِنْ كَلِمَةِ الْحَمْدِ فِي مَعْنَاهَا: وَاَعَمُّ مِنْ جِهَةٍ اُخْرَى مِنْ كَلِمَةِ الْحَمْدِ فِي مَعْنَاهَا اَيْضاً: نَعَمْ اَخِي: فَلَوْ جِئْنَا اِلَى جِهَةِ السَّبَبِ: سَنَجِدُ اَنَّ سَبَبَ الشُّكْرِ: اَخَصُّ مِنْ سَبَبِ الْحَمْدِ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي؟ لِاَنَّ الشُّكْرَ سَبَبُهُ: هُوَ الْاِحْسَانُ: بِمَعْنَى اَنَّ اِنْسَاناً مَا: اَحْسَنَ اِلَيْكَ: فَاَنْتَ تَشْكُرُهُ عَلَى هَذَا الْاِحْسَانِ: وَتَقُولُ لَهُ اَشْكُرُكَ: وَلَايَصِحُّ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ اَنْ تَقُولَ لَهُ اَحْمَدُكَ: لماذا؟لِاَنَّ سَبَبَ الْحَمْدِ: اَعَمُّ وَاَوْسَعُ مِنَ الشُّكْرِ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي؟ لِاَنَّ الْحَمْدَ يَكُونُ عَلَى الْحُسْنِ وَعَلَى الْاِحْسَانِ وَعَلَى الْمَكْرُوهِ اَيْضاً: فَلَايَصِحُّ اَنْ تَحْمَدَ اِنْسَاناً عَلَى حُسْنِهِ وَجَمَالِهِ: وَلَا عَلَى مَكْرُوهٍ فَعَلَهُ مَعَكَ: وَاِنَّمَا تَشْكُرُهُ بِكَلِمَةِ الشُّكْرِ لَابِكَلِمَةِ الْحَمْدِ عَلَى مَعْرُوفٍ فَعَلَهُ مَعَكَ: نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الْحَمْدَ شَيْءٌ عَظِيمٌ جِدّاً: وَهُوَ اَوْسَعُ مِنَ الشُّكْرِ مِنْ حَيْثُ السَّبَبِ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بِاِمْكَانِكَ اَنْ تَقُولَ اَلْحَمْدُ لِلهِ بِلَا سَبَبٍ مِنَ الْاِحْسَانِ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يُعْطِكَ اللهُ شَيْئاً قَلِيلاً اَوْ كَثِيراً مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي لَاتُعَدُّ وَلَاتُحْصَى: بَلْ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يُعْطِكَ مِنْهَا ذَرَّةً: بَلْ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يُعْطِكَ شَيْئاً مِنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ: بَلْ حَتَّى وَلَوْ فَعَلَ مَعَكَ سُبْحَانَهُ مَكْرُوهاً وَلَمْ يَفْعَلْ مَعْرُوفاً: فَاِنَّكَ مَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَيْكَ اَنْ تَقُولَ اَلْحَمْدُ لِلهِ لِمَاذَا؟ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{وَعَسَى اَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ(قَبْلَ{الْخَيْرِ فِتْنَةً وَاِلَيْنَا تُرْجَعُون(لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ شَرٌّ مَآَلُهُ اِلَى الْخَيْرِ لِصَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَلَاهُ اللهُ بِهِ: وَنَتِيجَتُهُ الْخَيْرُ: وَعَاقِبَتُهُ الْخَيْرُ: وَاِنْ كَانَ خَيْراً مُبْهَماً لَايَعْلَمُ صَاحِبُهُ حِكْمَةَ اللهِ الْمُبْهَمَةِ مِنْهُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ حَتَّى وَلَوْ خَلَقَكَ سُبْحَانَهُ اَعْمَى لَاتُبْصِرُ شَيْئاً: وَاَصَمَّ لَاتَسْمَعُ شَيْئاً: وَاَبْكَمَ لَاتَتَكَلَّمُ شَيْئاً: وَلَاتَسْتَطِيعُ اِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ سَبِيلاً: وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ: يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ عَلَى اَكْبَرِ نِعْمَةٍ اَعْطَاكَ اِيَّاهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى{اَوَلَمْ يَرَ الْاِنْسَانُ اَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئَا(أَيْ خَلَقْنَاهُ مِنَ الْعَدَمِ: وَفِي اَحْسَنِ صُورَةٍ: وَرُبَّمَا يَسْتَحِقُّ اَنْ يَخْلُقَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَشَرَةً تَافِهَةً لَاقِيمَةَ لَهَا اَوْ حِمَاراً اَوْ{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَاشَاءَ رَكَّبَكَ( وَمَعَ ذَلِكَ خَلَقَهُ مِنَ الْعَدَمِ: وَفِي اَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وَصُورَةٍ: وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً: نَعَمْ اَخِي: وَالْخُلَاصَةُ اَنَّ الْحَمْدَ يَكُونُ عَلَى الْحُسْنِ فَقَطْ مِنْ جِهَةٍ: بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ عَلَى حُسْنِهِ وَجَمَالِهِ فِي ذَاتِهِ وَفِي بَدِيعِ خَلْقِهِ وَصُنْعِهِ: بَلْ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يُحْسِنْ اِلَى اَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ سُبْحَانَه: بَلْ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَخْلُقْ اَحَداً مِنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ: بَلْ حَتَّى وَلَوْ بَقِيَ وَحِيداً: فَاِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ اَيْضاً: عَلَى حُسْنِهِ وَجَمَالِهِ: وَعَلَى رَحْمَتِهِ الَّتِي كَتَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَوَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اَوْ لَمْ يَخْلُقْهُ بَعْدُ: وَعَلَى الظُّلْمِ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ: نعم اخي: وَاَمَّا الشُّكْرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: فَلَايَكُونُ اِلَّا عَلَى الْاِحْسَانِ فَقَطْ: وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الْاَوَّلُ: وَاَمَّا الْفَرْقُ الثَّانِي: فَاِنَّ الشُّكْرَ اَوْسَعُ وَاَعَمُّ مِنْ جِهَةِ الْآَلَةِ: لِاَنَّ الْآَلَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ اَوِ الْمُسْتَخْدَمَةَ فِيهِ: هِيَ اللِّسَانُ وَالْقَلْبُ وَالْجَوَارِحُ: نَعَمْ اَخِي: وَالْآَلَةُ الْمُسْتَخْدَمَةُ فِي الْجَوَارِحِ مِنْ اَجْلِ الشُّكْرِ: هِيَ الْعَمَلُ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {اِعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور( نَعَمْ اَخِي: فَالشُّكْرُ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَمَلُ: بِخِلَافِ الْحَمْدِ: فَالْحَمْدُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فَقَطْ: وَلَايَدْخُلُ فِيهِ الْعَمَلُ: بِمَعْنَى: اَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ هُوَ الْآَلَةُ الْمُسْتَخْدَمَةُ فِي الْحَمْدِ: بَلْ هُوَ آَلَةُ اللِّسَانِ وَآَلَةُ الْقَلْبِ فَقَطْ: نَعَمْ اَخِي: وَمَعَ ذَلِكَ: فَاِنَّ الْحَمْدَ اَعَمُّ اَوْ اَوْسَعُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ؟ لِاَنَّ سَبَبَهُ الْحُسْنُ وَالْاِحْسَانُ وَالْمَكْرُوهُ مَعاً: لَكِنَّهُ اَضْيَقُ مِنْ جِهَةِ الْآَلَةِ الَّتِي هِيَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ فَقَطْ: وَاَمَّا الشُّكْرُ فَهُوَ اَضْيَقُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ؟ لِاَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْاِحْسَانِ فَقَطْ: لَكِنَّهُ اَوْسَعُ وَاَعَمُّ مِنْ جِهَةِ الْآَلَةِ؟ لِاَنَّهُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ: نَعَمْ اَخِي: اَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْدِ: فَاِنَّ الْآَلَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِيهِ: هِيَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ فَقَطْ: وَاَمَّا الشُّكْرُ: فَهُوَ اَعَمُّ وَاَوْسَعُ مِنْ جِهَةِ الْآَلَةِ؟: نَعَمْ اَخِي: وَالْحَمْدُ لِلهِ كَمَا هَدَانَا: اِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا: بِمَعْنَى اَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَمَا هَدَانَا اِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَاجْتَبَانَا: فَنَحْنُ نَحْمَدُهُ كَمَا اَنَّهُ هَدَانَا: بِمَعْنَى اَنَّنَا نَحْمَدُهُ عَلَى نِعْمَةِ الْهِدَايَةِ؟ لِاَنَّهُ هَدَانَا، نَعَمْ اَخِي: وَتَابِعْ مَعِي لِتَعْرِفَ اَكْثَرَ: نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى اَيْضاً بَدَاَ كِتَابَهُ بِالْحَمْدِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ بِقَوْلِهِ: اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين: وَفِي نِصْفِ الْقُرْآَنِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ اَيْضاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي اَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ: وَفِي الرُّبُعِ الْاَوَّلِ الَّذِي يَنْتَهِي بِاَوَائِلِ سُورَةِ الْاَنْعَامِ اَيْضاً بِقَوْلِهِ: اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ: وَفِي الرُّبُعِ الْاَخِيرِ اَيْضاً فِي سُورَةِ فَاطِرَ بِقَوْلِهِ: اَلْحَمْدُ لِلهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضِ: وَلِذَلِكَ فَاِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ الْكَرِيمَ: قَسَمَهُ اللهُ اَرْبَعَةَ اَجْزَاءٍ عَلَى الْحَمْدِ لِلهِ: نَعَمْ اَخِي: وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَاْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَحْمِلُ لِوَاءَ الْحَمْدِ: وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اَلْحَمْدُ لِلهِ: تَمْلَاُ الْمِيزَانَ: نَعَمْ اَخِي: اَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَاَشْكُرُهُ: وَمِنْ مَسَاوِي عَمَلِي اَسْتَغْفِرُهُ: وَالْمَسَاوِي اَخِي: هِيَ الْمَسَاوِىءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: وَالضَّرُورَةُ الشِّعْرِيَّةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ كَمَا سَيَاْتِي مَعَنَا فِي بَقِيَّةِ الْاَبْيَاتِ: تَقْتَضِي التَّغْيِيرَ وَالتَّسْهِيلَ وَالتَّخْفِيفَ فِي بَعْضِ الْاَشْيَاءِ الْمُثَقَّلَةِ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ؟ مِنْ اَجْلِ الِانْسِجَامِ مَعَ الْقَافِيَةِ الشِّعْرِيَّة: نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ الشَّيْخُ حَافِظُ: وَاَسْتَعِينُهُ عَلَى نَيْلِ الرِّضَا: أَيْ عَلَى اَنْ اَنَالَ رِضَا اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُقْتَدِياً بِقَوْلِهِ تَعَالَى{اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَعِين(بِمَعْنَى اَنَّ عِبَادَتَكَ اَخِي لَاتَكُونُ اِلَّا بِعَوْنٍ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ يَقُولُ الشَّيْخُ الْجَلِيلُ: وَاَسْتَمِدُّ لُطْفَهُ فِيمَا قَضَى: وَبَعْدُ: أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ: اِنِّي بِالْيَقِينِ اَشْهَدُ: شَهَادَةَ الْاِخْلَاصِ(لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللِه: وَتَفْسِيرُهَا كَالتَّالِي: اَلَّا يُعْبَدُ: بِالْحَقِّ مَاْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ: بِمَعْنَى: اَنَّنِي اَشْهَدُ شَهَادَةَ الْاِخْلَاصِ: وَهِيَ اَلَّا يُعْبَدَ سِوَى الرَّحْمَنِ مَاْلُوهٌ: بِمَعْنَى اَنَّ الرَّحْمَنَ سُبْحَانَهُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ: لَكِنْ لِمَاذَا قَالَ (بِالْحَقِّ)؟ لِمَاذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: وَهِيَ قَوْلُهُ بِالْحَقِّ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بِمَعْنَى: اَنَّهُ يَنْفِي اسْتِحْقَاقَ الْعِبَادَةِ عَنْ كُلِّ مَاسِوَى الله: بِمَعْنَى: اَنَّ غَيْرَ اللهِ لَايَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ: بِمَعْنَى: اَنَّ اللهَ فَقَطْ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ فِي هَذِهِ الْعِبَادَة: بِمَعْنَى: اَنَّ الشَّيْخَ حَافِظَ: يَنْفِي اسْتِحْقَاقَ الْعِبَادَةِ عَنْ غَيْرِ اللِه سُبْحَانَهُ: وَيُثْبِتُهَا لَهُ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ فَقَطْ لَاغَيْر: نَعَمْ اَخِي: لَكِنْ لَمْ نَفْهَمْ بَعْدُ لِمَاذَا قَيَّدَ الشَّيْخُ جُمْلَتَهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَهِيَ بِالْحَقّ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لِاَنَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ الزَّنَادِقَةِ مِنَ الصُّوفِيَّةِ الْحُلُولِيَّةِ الِاتِّحَادِيَّةِ الّذِينَ هُمْ اَكْفَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ: اِنَّ كُلَّ مَاعُبِدَ فَهُوَ الله: بِمَعْنَى اَنَّ فِرْعَوْنَ بِزَعْمِهِمْ: كَانَ صَادِقاً حِينَمَا قَالَ لِقَوْمِهِ اَنَا رَبُّكُمُ الْاَعْلَى: لِاَنَّ اللهَ بِزَعْمِهِمْ قَدْ حَلَّ فِي فِرْعَوْنَ وَالْعَيَاذُ بِاللهِ: وَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيرَا: وَلِذَلِكَ فَاِنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ الْحُلُولِيَّةِ الِاتِّحَادِيَّةِ: يُفَسِّرُونَ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ بِزَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ: بِمَعْنَى: اَنَّ كُلَّ مَاعُبِدَ فَهُوَ الله: فَانْظُرْ اَخِي اِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الْكُفْرِيِّ مِنْ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ الْاَوْغَاد: وَلِذَلِكَ وَضَعَ الشَّيْخُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: وَهِيَ قَوْلُهُ: اَلَّا يُعْبَدَ بِالْحَقِّ: مَاْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ: بِمَعْنَى اَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ عَبَدَهُ الْمُشْرِكُونَ الْكُفَّارُ: عَبَدُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ: اِلَّا اللهَ الَّذِي عَبَدَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِحَقٍّ: نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ فَاِنَّ التَّفْسِيرَ الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِنَا لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَلَا نَرْضَى لَهُ بَدِيلاً هُوَ التَّالِي: لَايَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ اِلَّا الله: نَعَمْ اَخِي: وَنَحْنُ لَانُنْكِرُ وُجُودَ مَعْبُودَاتٍ كَثِيرَةٍ عَبَدَهَا النَّاسُ مَعَ اللهِ اَوْ لَمْ يَعْبُدُوا اللهَ مَعَهَا: وَلَكِنَّهُمْ فِي الْحَالَتَيْنِ: عَبَدُوهَا بِالْبَاطِلِ وَبِغَيْرِ حَقٍّ: وَلِذَلِكَ فَاِنَّ هَذَا الْقَيْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَهُوَ قَوْلُهُ (بِالْحَقِّ: يُبَرِّىءُ ذِمَّتَنَا اَمَامَ اللِه مِنَ الْكُفْرِ: وَيُخْرِجُنَا عَنِ اعْتِقَادٍ خَاطِىءٍ فَاسِدٍ يَتَمَسَّكُ بِهِ الْحُلُولِيَّةُ وَالِاتِّحَادِيَّةُ الزَّنَادِقَةُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ جَمَاعَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ: نَعَمْ اَخِي: وَبِفَضْلِ اللهِ نَحْنُ لَانَعْتَقِدُ هَذَا الِاعْتِقَادَ الْفَاسِدَ: وَلَكِنَّنَا نُنَبِّهُ اِلَيْهِ احْتِرَازاً مِنْ وُقُوعِ بَعْضِ الْعَوَامِّ الْجَهَلَةِ فِي فَخٍّ كَبِيرٍ مِنْ شَطَحَاتِ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ: وَنُطَالِبُ الْعَوَامَّ مِنَ النَّاسِ اَنْ يَتَسَلَّحُوا بِهَذَا السِّلَاحِ الْعَقْلِيِّ الْمَنْطِقِيِّ رَدّاً عَلَى هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقَا(فَلَوْ كَانَ اللهُ تَعَالَى حَالّاً وَمُتَّحِداً مَعَ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْاَوْغَادُ: لَانْدَكَّ كُلُّ شَيْءٍ حَلَّ اَوِ اتَّحَدَ مَعَهُ سُبْحَانَهُ: فَلِمَاذَا اِذاً اَيُّهَا الزَّنَادِقَةُ لَمْ يَنْدَكَّ اِلَّا الْجَبَلُ الَّذِي تَجَلَّى لَهُ سُبْحَانَهُ! مَاذَا دَهَاكُمْ وَاَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جَيِّداً اَنَّ الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ مَعَ كُلِّ شَيْءٍ اَقْوَى مِنَ التَّجَلِّي عَلَى لَاشَيْءٍ مِنْ جُزْءٍ صَغِيرٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ هَذَا الْجَبَلُ: بَلْ اِنَّ الْحُلُولَ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ بَعْضَ الْمَعْنَى فِي التَّجَلِّي: فَلِمَاذَا لَمْ يَحِلَّ سُبْحَانَهُ اِلَّا فِي هَذَا الْجَبَلِ الصَّغِيرِ مُقَارَنَةً مَعَ الْكَوْنِ الْفَسِيحِ الْوَاسِعِ: لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنَّةِ وَالنَّاسِ اَجْمَعِينَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى مُعْتَقَدَاتِكُمُ الْفَاسِدَةِ الْبَاطِلَةِ: وَلِذَلِكَ نَشْهَدُ شَهَادَةَ الْاِخْلَاصِ: اَلَّا يُعْبَدَ بِالْحَقِّ مَاْلُوهٌ سِوَى الرَّحْمَنِ: نعم اخي: لَكِنْ مَنْ هُوَ الرَّحْمَنُ؟ يَقُولُ الشَّيْخُ حَافِظ: هُوَ مَنْ جَلَّ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ نُقْصَانِ: نَعَمْ اَخِي: وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ الْاُولَى: وَاَمَّا الشَّهَادَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ قَوْلُهُ: وَاَنَّ خَيْرَ خَلْقِهِ مُحَمَّداً: مَنْ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى: رَسُولُهُ اِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ: بِالنُّورِ وَالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ: صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا: وَالْآَلِ وَالصَّحْبِ دَوَاماً سَرْمَدَا: نَعَمْ اَخِي: صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا: فَمَاهِيَ هَذِهِ الصَّلَاةُ مِنْ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: قَالَ اَبُو الْعَالِيَة: اَلصَّلَاةُ مِنَ اللهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَى عَبْدِهِ فِي الْمَلَاِ الْاَعْلَى: وَصَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا: بِمَعْنَى: اَنَّنَا نَدْعُو: اَنْ يُثْنِيَ رَبُّنَا عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّداً فِي الْمَلَاِ الْاَعْلَى بِقَوْلِنَا: صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا: أَيْ اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ: أَيْ اَللَّهُمَّ اَثْنِ عَلَيْهِ وَمَجِّدْهُ وَامْدَحْهُ وَاشْكُرْ لَهُ فِي الْمَلَاِ الْاَعْلَى: ثُمَّ يَقُولُ الشَّيْخُ: وَالْآَلِ: بِمَعْنَى: وَصَلَّى اللهُ عَلَى الْآَلِ وَالصَّحْبِ وَاَثْنَى عَلَيْهِمْ اَيْضاً فِي الْمَلَاِ الْاَعْلَى: فَمَنْ هُمُ الْآَلُ؟ وَمَنْ هُمُ الصَّحْبُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اَلصَّحْبُ: هُمُ الصَّحَابَةُ: جَمْعٌ مُفْرَدُهُ: صَحَابِيٌّ: وَالصَّحَابِيُّ: هُوَ مَنْ لَقِيَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَوْ مَرَّةً فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ عَلَى الْاِسْلَامِ فَهُوَ صَحَابِيٌّ: وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ وَلِو اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْرِيفِهِ: نَعَمْ اَخِي: لَكِنْ مَنْ هُمُ الْآَلُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اَلْعُلَمَاءُ هُنَا عَلَى اَحَدِ قَوْلَيْنِ: اَلْقَوْلُ الْاَوَّلُ: اَنَّ الْآَلَ هُمْ اَتْبَاعُهُ وَاَنْصَارُهُ اِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: نَعَمْ اَخِي: فَآَلُ النَّبِيِّ: هُمْ اَتْبَاعُ مِلَّتِهِ عَلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ عَجْمٍ وَمِنْ عَرَبِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ آَلُهُ اِلَّا قَرَابَتُهُ: صَلَّى الْمُصَلِّي عَلَى الطَّاغِي اَبُو لَهَبِ: بِمَعْنَى: اَنَّ الْاَتْبَاعَ هُمُ الْآَلُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ آَلِهِ اِلَّا اَقَارِبُهُ: أَيْ اِلَّا الْقَرَابَةُ وَالنَّسَبُ: وَلَا لِلِاتِّبَاعِ: لَكَانَ اَبُو لَهَبٍ مِنْ جُمْلَةِ هَؤُلَاءِ الْاَقَارِبِ: وَهَذَا يَسْتَوْجِبُ الصَّلَاةَ عَلَى اَبُو لَهَبٍ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى آَلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَهَذَا بَاطِلٌ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ شَرْعاً؟ لِاَنَّ اَبَا لَهَبٍ مِنْ آَلِهِ نَسَباً: لَا اتِّبَاعاً: وَلَا اَتْبَاعاً: نعم اخي: وَاَمَّا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَهُوَ مِنْ آَلِهِ اَتْبَاعاً وَاتِّبَاعاً: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ آَلِهِ نَسَباً وَلَا مِنْ جِنْسِهِ عَرَباً: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [سَلْمَانُ مِنَّا اَهْلَ الْبَيْتِ(وَهَذَا لَايَقْتَضِي بِالضَّرُورَةِ اَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآَلِيَّةُ خَاصَّةً بِسَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بَلْ هِيَ لَهُ خَاصَّةً: وَلِلْمُؤْمِنِينَ اِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ اَتْبَاعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَامَّة: نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: فَهُوَ اَنَّ الْآَلَ: هُمْ آَلُ بَيْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاَهْلُ بَيْتِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْاِيمَانِ: بِمَعْنَى اَنَّ آَلَ مُحَمَّدٍ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ اَهْلِ بَيْتِهِ وَاَقَارِبِهِ وَاَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ: بِمَعْنَى اَنَّ الْكُفَّارَ مِنْهُمْ كَعَمِّهِ اَبُو لَهَبٍ مَثَلاً: خَرَجُوا عَنِ الْآَلِ: وَلَمْ يَعُودُوا مِنْ آَلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: نَعَمْ اَخِي: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي: لَهُ دَلِيلٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ: وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [نَحْنُ آَلَ مُحَمَّدٍ لَاتَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةَ(وَطَبْعاً هَذِهِ الصَّدَقَةُ الْمَحْظُورَةُ: لَيْسَ حَظْرُهَا عَامّاً لَكُلِّ اَتْبَاعِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِحَظْرِ الصَّدَقَةِ هُنَا: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ اَقَارِبِهِ وَاَزْوَاجِه وَذُرِّيَّتِهِ: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي: هُوَ الْاَحْظَى بِالدَّلِيلِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ: وَلِذَلِكَ صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا وَمَجَّدَا: وَالْآَلِ وَالصَّحْبِ دَوَاماً سَرْمَدَا: وَبَعْدَ هَذَا النَّظْمِ فِي الْاُصُولِ(أَيْ فِي اُصُولِ الدِّينِ وَالْعَقِيدَةِ(لِمَنْ اَرَادَ مَنْهَجَ الرَّسُولِ: سَاَلَنِي اِيَّاهُ(أَيْ طَلَبَ مِنِّي اَنْ اَكْتُبَ هَذَا الْمَتْنَ(مَنْ لَابُدَّ لِي(أَيْ لَامَفَرَّ لِي مِنْ طَاعَتِهِ: وَلَا اَسْتَطِيعُ اِلَى رَدِّ طَلَبِهِ سَبِيلاً: وَهُوَ شَيْخِي وَمُعَلِّمِي عَبْدُ اللهِ الْقَرْعَاوِيِّ(مِنِ امْتِثَالِ سُؤْلِهِ الْمُمْتَثَلِ(أَيْ اِنَّ طَلَبَهُ جَدِيرٌ بِتَلْبِيَتِهِ وَطَاعَتِهِ فِي تَاْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ: وَقَدْ اَمَرَنِي بِتَاْلِيفِهِ حِينَمَا كَانَ عُمْرِي 19 ىسَنَة: وَسُبْحَانَ الله: اِبْنُ التَّاسِعَةَ عَشَرَ سَنَةً: وَلَدَيْهِ مِنْ دِقَّةِ الْاَلْفَاظِ وَالتَّعْبِيرَاتِ وَالنَّظْمِ فِي الشِّعْرِ: مَاجَعَلَهُ يُؤَلِّفُ كِتَاباً فِي الْعَقِيدَةِ: لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ النَّاسُ: وَمَاشَاءَ اللهُ لَاقُوَّةَ اِلَّا بِاللهِ: وَتَبَارَكَ اللهُ اَحْسَنُ الْخَالِقِينَ: وَنَسْاَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اَنْ يَهْدِيَنَا اِلَى الْحَقِّ عَلَى يَدَيْهِ: وَيُبَارِكَ فِي اَعْمَارِنَا: فَقُلْتُ مَعْ عَجْزِي وَمَعْ اِشْفَاقِي: مُعْتَمِداً عَلَى الْقَدِيرِ الْبَاقِي: نعم اخي: وَهَذِهِ هِيَ الْمُقَدِّمَةُ الَّتِي تُعَرِّفُ الْعَبْدَ: بِمَا خُلِقَ لَهُ: وَمَا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: وَمَااَخَذَ اللهُ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ فِي ظَهْرِ اَبِيهِ آَدَمَ: وَبِمَا هُوَ صَائِرٌ اِلَيْهِ: وَلِذَلِكَ يَقُولُ الشَّيْخُ حَافِظُ فِي هَذِهِ الْاُرْجُوزَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ الْجَمِيلَةِ: اِعْلَمْ بِاَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا: لَنْ يَتْرُكَ الْخَلْقَ سُدَىً وَهَمَلَا: بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ: وَبِالْاِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ: اَخْرَجَ فِيمَا مَضَى: مِنْ ظَهْرِ آَدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ: وَاَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ اَنَّهُ: لَارَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ: وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ اَرْسَلَا: لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ اَنْزَلَا: لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ: وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ: كَيْ لَايَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ: لِلهِ اَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلّ: فَمَنْ يُصَدِّقُهُمْ بِلَاشِقَاقِ: فَقَدْ وَفَّى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ: وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ: وَذَلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ: وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا: وَلَازَمَ الْاِعْرَاضَ عَنْهُ وَالْاِبَا: فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلَا الْعَهْدَيْنِ: مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ: نعم ايها الاخوة: يَقُولُ الشَّيْخُ حَافِظُ فِي اُرْجُوزِيَّتِهِ التَّوْحِيدِيَّة: اِعْلَمْ بِاَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا: لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدَىً وَهَمَلَا: بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ: خَلَقَ كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ؟ لِيَعْبُدُوهُ؟ وَبِالْاِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ: نعم اخي: فَمَا هُوَ مَعْنَى لِيَعْبُدُوهُ؟ نعم اخي: كَلِمَةُ لِيَعْبُدُوهُ: مَاْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لَيَعْبُدُون(وَكَلِمَةُ لِيَعْبُدُونِ: بِمَعْنَى لِيُوَحِّدُونِي: اَوْ لِيُفْرِدُونِي بِالْعِبَادَةِ: وَلِمَاذَا هَذَا الْمَعْنَى؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لِاَنَّ الْمُشْرِكِينَ فِي الْاَصْلِ: كَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ: وَلَكِنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ لِمَاذَا؟ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{قُلْ يَااَيُّهَا الْكَافِرُون: لَا اَعْبُدُ مَاتَعْبُدُون: وَلَا اَنْتُمْ عَابِدُونَ مَااَعْبُد: وَلَا اَنَا عَابِدٌ مَاعَبَدْتُّمْ: وَلَا اَنْتُمْ عَابِدُونَ مَااَعْبُدُ( لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ: بِمَعْنَى اَنَّ هَدَفَهُ سُبْحَانَهُ: لَيْسَ هُوَ الْعِبَادَةُ التَّقْلِيدِيَّةُ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُشْرِكُونَ: وَلَكِنَّ الْهَدَفَ الْحَقِيقِيَّ الْاِلَهِيَّ الرَّبَّانِيَّ الْاَسْمَائِيَّ الصِّفَاتِيَّ: هُوَ الْعِبَادَةُ الْمُوَحِّدَةُ فِي اُلُوهِيَّتِهِ: وَفِي رُبُوبِيَّتِهِ: وَفِي اَسْمَائِهِ: وَفِي صِفَاتِهِ: مِنْ دُونِ اِلْحَادٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَمِيلُ عَنْ مَعْنَاهَا الْمُرَادِ: اَوْ يَتَجَاهَلُهُ: اَوْ يُحَرِّفُهُ مُبَالِغاً فِي اِثْبَاتِهِ اِلَى دَرَجَةِ التَّجْسِيمِ وَالتَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ: اَوْ يُحَرِّفُهُ مُبَالِغاً فِي تَنْزِيهِهِ اِلَى دَرَجَةِ التَّعْطِيلِ: بِمَعْنَى: اَنَّ الْهَدَفَ: هُوَ الْعِبَادَةُ الْمُوَحِّدَةُ الَّتِي تَتَخَلَّصُ مِنَ الشِّرْكِ: فَلَايَعْبُدُونَ اِلَّا اللهَ: وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{اِلَّا لِيَعْبُدُونِ: بِمَعْنَى اَنَّهُ سُبْحَانَهُ: خَلَقَ الْخَلْقَ؟ لِيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ: نعم ايها الاخوة: فَالْعِلَّةُ الَّتِي خَلَقَ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ لَهَا اَوْ مِنْ اَجْلِهَا: هِيَ الْعِبَادَةُ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {لِيَعْبُدُونِ(نعم اخي: وَاللَّامُ فِي لِيَعْبُدُونِ: لَامُ التَّعْلِيلِ: نعم اخي: لَكِنْ مَاهِيَ اِرَادَةُ اللهِ فِي خَلْقِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ لِيَعْبُدُوهُ؟ هَلْ هِيَ اِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ؟ اَوْ شَرْعِيَّة؟ نعم اخي: لَكِنْ مَا هِيَ الْاِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ؟ وَمَاهِيَ الْاِرَادَةُ الشَّرْعِيَّة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اَلْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: اَنَّكَ اَخِي حِينَمَا تَسْاَلُ مَثَلاً عَنْ شَيْءٍ مَا هَلْ كَانَ اَمْ لَمْ يَكُنْ: فَاِنَّكَ تُلَاحِظُ: اَنَّهُ لَوْ كَانَ: لَاَرَادَهُ اللهُ كَوْناً: لَكِنْ هَلْ شَرَعَهُ فِي الشَّرْعِ: بِمَعْنَى هَلْ اَمَرَ بِهِ اَوْ نَهَا عَنْهُ: وَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ: اَنَّهُ سُبْحَانَهُ اِنْ كَانَ شَرَعَهُ: فَهُوَ مُرَادُهُ تَعَالَى فِي اِرَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ: وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً: اَنْتَ الْيَوْمَ مَثَلاً اَخِي صَلَّيْتَ الْعِشَاءَ: فَهَذَا الْفِعْلُ وَهُوَ الصَّلَاةُ: هَلْ وَقَعَ اَوْ لَمْ يَقَعْ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَلْ وَقَعَ مِنْكَ هَذَا الْفِعْلُ: فَهَذَا الْفِعْلُ يُسَمَّى اِرَادَةً اِلَهِيَّةً كَوْنِيَّةً: لَكِنْ اَخِي: هَلْ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اَمَرَكَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ اَمْ لَمْ يَاْمُرْكَ؟ وَالْجَوَابُ: اَنَّهُ سُبْحَانَهُ اَمَرَكَ: وَلِذَلِكَ فِعْلُكَ هَذَا وَهُوَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ: يُسَمَّى اَيْضاً اِرَادَةً اِلَهِيَّةً شَرْعِيَّةً اَرَادَهَا اللهُ لَكَ فِي شَرْعِهِ الْاِسْلَامِيِّ كَمَا اَرَادَهَا لَكَ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الْكَوْنِيِّ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ: نعم اخي: وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً آَخَرَ: وَهُوَ اِنْسَانٌ مَا لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ: بَلْ بَقِيَ جَالِساً فِي الْمَقَاهِي: نعم اخي: فَعَدَمُ صَلَاتِهِ اَوْ تَرْكُهُ لِلصَّلَاةِ حَصَلَ اَمْ لَمْ يَحْصَلْ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَلْ حَصَلَ: نعم اخي: فَهَذَا الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ مِنْ تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ: هُوَ اِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ اَرَادَهَا اللهُ فِي كَوْنِهِ اَنْ تَحْصَلَ بِاخْتِيَارِهِ هُوَ لَا بِاخْتِيَارِ اللهِ لَهُ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَمَاتَشَاؤُونَ(بِاخْتِيَارِكُمْ اَوْ عَدَمِ اخْتِيَارِكُمْ{اِلَّا اَنْ يَشَاءَ الله(نعم اخي: لَكِنْ هَلْ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ: وَالْجَوَابُ: اَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَاْمُرْهُ بِذَلِكَ: فَهَذَا الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ مِنْ تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ بِاخْتِيَارِهِ هُوَ لَا بِاخْتِيَارِ اللهِ لَهُ: يُسَمَّى اِرَادَةً كَوْنِيَّةً لَاشَرْعِيَّةً: نعم اخي: فَهَذِهِ الْاِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ وَالشَّرْعِيَّةُ: تَفْتَرِقُ مَعَ الْمَعْصِيَةِ فِي تَرْكِكَ لِلصَّلَاةِ مَثَلاً: وَتَجْتَمِعُ مَعَ الطَّاعَةِ فِي اَدَائِكَ لَهَا: وَلِذَلِكَ فَاِنَّ اللهَ تَعَالَى: اَرَادَ طَاعَةَ الطَّائِعِ شَرْعاً وَاَمَرَهُ بِهَا وَوَفَّقَهُ اِلَيْهَا وَيَسَّرَهُ لِلْيُسْرَى وَهِيَ الْجَنَّةُ: وَاَرَادَهَا لَهُ كَوْناً اَيْضاً: وَلَمْ يُرِدْ مَعْصِيَةَ الْعَاصِي شَرْعاً: وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ اَرَادَهُ كَوْناً اَنْ يَكُونَ حَرّاً فِي اخْتِيَارِهِ لِلطَّاعَةِ اَوِ لِلْمَعْصِيَةِ: فَاِذَا اخْتَارَ الْمَعْصِيَةَ فَاِنَّ اللهَ اَرَادَهَا لَهُ كَوْناً: وَوَفَّقَهُ اِلَيْهَا: وَيَسَّرَهُ لِلْعُسْرَى: وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى{فَاِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ: فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ: عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِير( وَلِذَلِكَ فَاِنَّ طَاعَةَ الطَّائِعِ: تَجْتَمِعُ فِيهَا الْاِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ مَعَ الْاِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ: وَاَمَّا مَعْصِيَةُ الْعَاصِي: فَتَنْفَصِلُ فِيهَا الشَّرْعِيَّةُ عَنِ الْكَوْنِيَّةِ؟ لِاَنَّ اللهَ مَااَرَادَهَا لَكَ شَرْعاً اَخِي الْعَاصِي: بَلْ اَرَادَهَا لَكَ كَوْناً؟ لِاَنَّكَ اَنْتَ اخْتَرْتَهَا: وَلَمْ يُرْغِمْكَ سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا: بَلْ تَرَكَكَ عَلَى اِلْهَامِكَ: وَلَمْ يُرْغِمْكَ اَيْضاً اَحَدٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَيْهَا: وَذَلِكَ بِحُكْمِ حُرِّيَّةِ الِاخْتِيَارِ الَّتِي اَعْطَاكَ اللهُ اِيَّاهَا: فَاِمَّا اَنْ تَتَزَوَّجَ الطَّاعَةَ: وَتُطَلِّقَ الْمَعْصِيَةَ: وَاِمَّا اَنْ تُطَلِّقَ الطَّاعَةَ: وَتَتَزَوَّجَ الْمَعْصِيَةَ: فَلَا الزَّوَاجُ يَحْصَلُ بِالْغَصْبِ: وَلَا الطَّلَاقُ يَقَعُ بِالْغَصْبِ: وَاِلَّا فَاِنَّهُ زَوَاجٌ بَاطِلٌ: وَطَلَاقٌ بَاطِلٌ اَيْضاً: وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ حُرِّيَّةَ اخْتِيَارِكَ اَمَانَةً فِي عُنُقِكَ: فَاَطْلَقْتَ لِنَفْسِكَ الْعَنَانَ فِي خِيَانَتِهَا: فَاَطْلَقَ اللُهُ لَكَ الْعَنَانَ اَيْضاً فِي التَّمَادِي فِي هَذِهِ الْخِيَانَةِ: جَزَاءً وِفَاقاً يُحَاسِبُكَ بِمُوجَبِهِ: عَلَى اسْتِهْتَارِكَ فِي مُرَاقَبَتِكَ لِجَلَالِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ وَقَدَرِهِ: نعم اخي: فَاِذَا كَانَ اللهُ قَدْ اَعْطَاكَ حُرِّيَّةَ الِاخْتِيَارِ وَمَلَّكَكَ اِيَّاهَا تَمْلِيكاً: فَمِنْ حَقِّهِ هُوَ اَيْضاً اَنْ يَكُونَ لَدَيْهِ مَايَمْلِكُ مِنْ مُطْلَقِ هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ فِي الِاخْتِيَار: فَاِمَّا اَنْ يَخْتَارَ لَكَ الْجَنَّةَ بِاِحْسَانِهِ وَتَفَضُّلِهِ عَلَيْكَ: وَاِمَّا اَنْ يَخْتَارَ لَكَ النَّارَ بِعَدْلِهِ: وَاِلَّا فَاِنَّ فَاقِدَ الشَّيْءِ لَايُعْطِيهِ: بِمَعْنَى: اَنَّهُ سَبْحَانَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ حُسْنَ التَّصَرُّفِ فِي حُرِّيَّةِ الِاخْتِيَارِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُرّاً فِي اخْتِيَارِهِ سُبْحَانَهُ: فَمِنْ اَيْنَ جَاءَ بِهَذِهِ الْحُرِّيَّةِ الَّتِي اَعْطَاكَ اِيَّاهَا فِي حُسْنِ اخْتِيَارِكَ اَخِي اَوْ سُوءِ اخْتِيَارِكَ: هَلْ جَاءَ بِهَا مِنْ اِلَهٍ آَخَرَ مَثَلاً: تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيرَا: نعم اخي: فَاِذَا كَانَ اللهُ مَحَبَّةً: فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَفْهَمُهُ الصُّلْبَانُ الْخَنَازِيرُ: وَاِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَفْهَمُهُ اَحْقَرُ عَامِّيٍّ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ: وَلَدَيْهِ مِنَ الْفَهْمِ وَالْحِكْمَةِ: مَالَيْسَ عِنْدَ اَكَابِرِ رِجَالِ دِينِهِمْ وَقَسَاوِسَتِهِمْ: وَهُوَ قَوْلُهُ: اِذَا كَانَ حَبِيبُكَ عَسَلاً: فَلَا تَلْحَسْهُ كُلَّهُ: نعم اخي: فَاَنْتَ حِينَمَا تَلْحَسُ مِنْ جَلَالِ اللهِ وَقَدْرِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدُّوسِهِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ: فَمَاذَا اَبْقَيْتَ مِنْ اُلُوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَاَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مَايَسْتَحِقُّ اَنْ تُحِبَّهُ بِهِ عَلَى اَسَاسٍ مِنَ الِاحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ سُبْحَانَهُ: وَهَلْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ الصَّلِيبِيَّةُ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ تُسَمَّى مَحَبَّةً: اَمْ تُسَمَّى سُخْرِيَةً وَاسْتِهْزَاءً بِمَقَامِ اللهِ الْقُدُّوسِ وَجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ: نعم اخي: فَالْاِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ: هِيَ مَااَمَرَ اللهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّرْعِ: وَالْاِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ: هِيَ مَااَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَشَاءَ اَنْ يَقَعَ بِالْفِعْلِ: نعم اخي: وَلِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لِيَعْبُدُون(اَللَّامُ هُنَا فِي كَلِمَةِ لِيَعْبُدُونِ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ اَخِي: هَذِهِ اللَّامُ: هَلْ تُوضِحُ الْاِرَادَةَ الْكَوْنِيَّةَ؟ اَمِ الْاِرَادَةَ الشَّرْعِيَّةَ؟ بِمَعْنَى هَلْ اَرَادَ اللهُ بِهَا اِرَادَةً كَوْنِيَّةً: اَمْ اِرَادَةً شَرْعِيَّة؟ نعم اخي: وَالْجَوَابُ الرَّاجِحُ هُنَا: هُوَ الْاِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ: لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مُرَادِ اللهِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ: فَبَعْضُهُمْ قَالَ اِنَّهَا شَرْعِيَّةٌ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ اِنْ شَاءَ الله: بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهُمْ؟ لِيَاْمُرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْبُدُ: وَمِنْهُمْ مَنْ لَايَعْبُدُ: بِمَعْنَى اَنَّ الْعِبَادَةَ هُنَا: هِيَ عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَمَا اَمَرَهُمْ اَنْ يَعْبُدُوهُ: وَلَكِنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ لَهُمْ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ عَوَاقِبَ فِي الدُّنْيَا نَتِيجَةَ تَجَاهُلِهِمْ لَهَا: وَلَكِنَّ تَجَاهُلَهُمْ لَهَا: مُلْزِمٌ لَهُمْ: بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{لَا اِكْرَاهَ فِي الدِّينِ(أَيْ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّوْحِيدِ{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ: وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ: اِنَّا اَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ(الَّذِينَ تَجَاهَلُوا هَذِهِ الْعِبَادَةَ: عَوَاقِبَ وَخِيمَةً وَهِيَ{نَاراً اَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا: وَاِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ: بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقَا(وَنُلَاحِظُ هُنَا اَيُّهَا الْاِخْوَةُ: اَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: اِحْتَرَمَ حُرِّيَّةَ الْاِنْسَانِ: وَاحْتَرَمَ عَقْلَهُ وَتَفْكِيرَهُ فِيمَا يَخْتَارُ مِنْ عِبَادَةٍ: وَلَمْ يُلْزِمْهُ عَلَى عِبَادَةٍ لَايُرِيدُهَا وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً عَلَى تَوْحِيدِهِ سُبْحَانَهُ: بِمَعْنَى اَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ مَحَبَّتَهُ بِالْقُوَّةِ: وَاِنَّمَا بِاخْتِيَارِ هَذَا الْاِنْسَانِ: دُونَ ضَغْطٍ اَوْ اِكْرَاهٍ مِنْ اَحَدٍ عَلَيْهِ: فَمَاذَا يُرِيدُ الْخَنَازِيرُ الصُّلْبَانُ الْخَوَنَةُ مِنَ اللهِ الْمَحَبَّةِ اَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ!؟ هَلْ يُرِيدُونَ اَنْ يَفْرِضَ اللهُ مَحَبَّتَهُ عَلَى مَخْلُوقَاتِهِ بِقُوَّةِ السَّيْفِ: اَوْ بِقُوَّةِ الصَّلِيبِ: اَوْ بِقُوَّةِ الْفِدَاءِ الصَّلِيبِيِّ الْكَاذِبِ الَّذِي يَزْعُمُونَهُ لِخَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ مِمَّنْ اَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ بِزَعْمِهِمْ: لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى صُلْبَانِهِمُ الْقَذِرَة: وَهَلْ يَسْتَحِقُّ فِدَاءً لِخَطَايَاهُ مَنْ تَجَاهَلَ اللهَ فِي قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ وَاَحَبَّ غَيْرَهُ: زَاعِماً حُبَّهُ بِكُلِّ اَحَاسِيسِهِ وَمَشَاعِرِهِ: زَاعِماً اَنَّهُ ابْنُ اللِه: بَلْ هَلْ نُكَافِىءُ ابْنَ اللهِ الَّذِي فَدَى خَطَايَانَا بِزَعْمِهِمْ عَلَى الصَّلِيبِ: بِاَنْ نَاْكُلَ مِنْ لَحْمِهِ! وَنَشْرَبَ مِنْ دَمِهِ! اَلَا يُذَكِّرُنَا هَذَا: بِقِصَّةِ الْكَلْبِ الَّذِي اَنْقَذَ صَاحِبَهُ فِي الصَّحْرَاءِ الْقَاحِلَةِ مِنْ دُبٍّ مُتَوَحِّشٍ مُفْتَرِسٍ كَادَ اَنْ يَاْكُلَهُ: فَمَاذَا كَانَتْ مُكَافَاَةُ هَذَا الْكَلْبِ اِلَّا اَنْ ذَبَحَهُ صَاحِبُهُ وَاَكَلَهُ بَعْدَ اَنْ كَادَ يَهْلِكُ مِنَ الْجُوعِ!؟ نعم اخي: وَاَمَّا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ لِلْاَسِيرَةِ الَّتِي اَنْقَذَتْهَا نَاقَتُهَا وَنَذَرَتْ اَنْ تَذْبَحَهَا اِنْ اَوْصَلَهَا اللهُ سَالِمَةً بِهَا اِلَى الْمَدِينَةِ: بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْر ٍفِي مَعْصِيَةِ اللهِ: وَهَذَا هُوَ دِينُنَا الْاِسْلَامِيُّ الَّذِي يَرْاَفُ بِالْاِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ: وَلَايَكْتَفِي بِالرَّاْفَةِ بِالْمُجْرِمِ: بَلْ يَرْاَفُ بِالضَّحِيَّةِ اَيْضاً: وَلِذَلِكَ رَاَفَ بِالْمُجْرِمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{وَاَسِيراً: اِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ( وَرَاَفَ بِالضَّحِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا: وَاَنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير: اَلَّذِينَ اُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ اِلَّا اَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ{لَفَسَدَتِ الْاَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين( نعم ايها الاخوة: اَلْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اَنْقَذَنَا بِزَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ: مِنْ خَطَايَا كَادَتْ تُهْلِكُنَا: بِفِدَائِهِ لَهَا عَلَى الصَّلِيبِ: بِمَا سَالَ مِنْ دِمَائِهِ: وَبِمَا تَحَمَّلَ مِنْ آَلَامٍ وَاَوْجَاعٍ اَزْهَقَتْ رُوحَهُ بِزَعْمِهِمْ: فَمَا حَاجَتُنَا بَعْدَ ذَلِكَ اِلَى اَنْ نَاْكُلَ مِنْ لَحْمِهِ وَنَشْرَبَ مِنْ دَمِهِ: هَلْ لِنَزِيدَ مِنْ آَلَامِهِ وَاَوْجَاعِهِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا مِنْ اَجْلِنَا بِزَعْمِهِمْ: يَبْدُو اَنَّهُ لَمْ يَعُدْ مِنْ رَاحَةٍ لِجَسَدِ الْمَسِيحِ اَبَداً لَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَابَعْدَ مَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: نعم اخي: فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَعْبُدُونِ(مَعْنَاهَا الْاِرَادَةُ الْاِلَهِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ: وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ: وَهَذَا هُوَ قَوْلُ سَيِّدِنَا الْاِمَامِ عَلِيِّ بْنِ اَبُو طَالِبٍ سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآَيَة: نعم اخي: وَهُنَاكَ قَوْلٌ آَخَرُ اَيْضاً غَيْرُ رَاجِحٍ مَرْوِيٌّ عَنِ السَّلَفِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالضَّحَّاكِ: وَغَيْرِهِمْ: يَقُولُ عَنْ هَذِهِ الْاِرَادَةِ الْمَعْبُودِيَّةِ الْمَاْلُوهِيَّةِ التَّوْحِيدِيَّةِ: اَنَّهَا اِرَادَةٌ اِلَهِيَّةٌ كَوْنِيَّةٌ: فَقَالُوا{وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لِيَعْبُدُونِ(بِمَعْنَى: اَنَّهُمْ لَابُدَّ اَنْ يَعْبُدُوا: وَنَقُولُ لِهَؤُلاء: هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ: لَمْ يَعْبُدُوا: وَلَمْ يُوَحِّدُوا: قَالُوا: نُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ: اَلْجَوَابُ الْاَوَّلُ: اَنَّ الْعِبَادَةَ هُنَا: مَعْنَاهَا الْعِبَادَةُ الِاضْطِّرَارِيَّةُ غَيْرُ الِاخْتِيَارِيَّةِ: بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ خَلَقَهُمْ؟ لِيَكُونُوا عَبِيداً يَحْكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَدَرِهِ فِيهِمْ كَيْفَ شَاءَ: بِمَعْنَى اَنَّهُ سُبْحَانَهُ: يُمِيتُهُمْ: وَيُحْيِيهِمْ: وَيَرْزُقُهُمْ: وَيُعَافِيهِمْ كَمَا شَاءَ: فَهُمْ عَبِيدٌ مِنْ هَذِهِ الْوِجْهَةِ: بِعِبَادَةٍ اضْطِّرَارِيَّةٍ: وَلَانَعْنِي بِذَلِكَ الْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةَ: كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْاِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ: بَلْ هُمْ عَبِيدٌ لِلهِ رَغْماً عَنْهُمْ: لَايَخْرُجُونَ عَنْ اَمْرِ اللهِ: فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ هُنَا اِرَادَتَهُ اِرَادَةً كَوْنِيَّةً بِعِبَادَةٍ اضْطِّرَارِيَّةٍ: وَهَذَا الْجَوَابُ: مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالسُّدِّيِّ: وَرَبِيعٍ بْنِ اَنَسٍ: نعم اخي: وَاَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي: فَقَالوُا{لِيَعْبُدُونِ(أَيْ بِالْعِبَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي نَعْبُدُ اللهَ بِهَا: كَالصَّلَاةِ: وَالذِّكْرِ: وَالتَّسْبِيحِ: وَالزَّكَاةِ: وَالصَّوْمِ: وَالْحَجِّ: وَغَيْرِهَا: لَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْجِنِّ وَالْاِنْسِ هُنَا: هُوَ مُؤْمِنِيهِمْ: وَالْمَعْنَى هُوَ التَّالِي: {وَمَاخَلَقْتُ(الْمُؤْمِنِينَ مِنَ{الْجِنِّ وَالْاِنْسِ: اِلَّا لِيَعْبُدُونِ(نعم اخي: فَهَذَانِ هُمَا الْجَوَابَانِ اَوِ الْقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْاَلَةِ الْمُخَالِفَانِ لِلْقَوْلِ الرَّاجِحِ عِنْدَنَا: وَهُوَ قَوْلُنَا{لِيَعْبُدُونِ(اَنَّ اللَّامَ هُنَا لِبَيَانِ الْاِرَادَةِ وَالْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ: بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ خَلَقَ جَمِيعَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ؟ لِيَعْبُدُوهُ بِتَوْحِيدِهِ اَوَّلاً: ثُمَّ الصَّلَاةِ: وَالصِّيَامِ: وَالزَّكَاةِ: وَالْحَجِّ: بِعِبَادَةٍ خَالِصَةٍ لَهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ بِهَذِهِ الْاَرْكَانِ الْاِسْلَامِيَّةِ جَمِيعِهَا: نعم اخي: وَلِذَلِكَ يَقُولُ الشَّيْخُ حَافظ: اِعْلَمْ بِاَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا: لَمْ يَتْرُكِ الْخَلْقَ سُدىً وَهَمَلَا: وَنَقُولُ لِلشَّيْخِ حَافِظ: لِمَاذَا خَلَقَهُمْ اِذاً؟ قَالَ: بَلْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ: وَبِالْاِلَهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ: نعم اخي: وَهَذِهِ هِيَ النُّقْطَةُ الْاُولَى الَّتِي شَرَحْنَاهَا لَكَ: وَنَرْجُو اَنْ تَكُونَ قَدْ فَهِمْتَهَا جَيِّداً: وَهِيَ الْعِلَّةُ مِنْ خَلْقِ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ: ثُمَّ يَقُولُ الشَّيْخُ حَافِظ: اَخْرَجَ فِيمَا مَضَى: مِنْ ظَهْرِ آَدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ: بِمَعْنَى: اَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ: اَخْرَجَ فِيمَا قَدْ مَضَى قَبْلَ اَنْ نَاْتِيَ اِلَى الْاَرْضِ وَبَعْدَ خَلْقِ آَدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِ آَدَمَ ذُرِّيَّتَهُ كَالذَّرِّ: وَهُنَا اَخِي نَاْتِي اِلَى الْحَدِيثِ عَنِ الْمِيثَاقِ اَوِ الْعَهْدِ الرَّبَّانِيِّ الْاِلَهِيِّ: نَعَمْ اَخِي: وَكَانَتِ الذُّرِّيَّةُ وَقْتَهَا كَالذَّرِّ: فَاَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ(فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ( بِمَعْنَى اَنَّهُ لَمَّا اَخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذُرِّيَّةَ آَدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ كَالذَّرِّ: وَمِنْ بَنِي آَدَمَ اَيْضاً مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ: اَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ: اَنَّهُ لَارَبَّ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ غَيْرَهُ: نعم اخي: فَهَذِهِ هِيَ آَيَاتُ الْمِيثَاقِ: وَمِنْهَا قَوْلُ اللهِ تَعَالىَ فِي الْآَيَةِ 172 مِنْ سُورَةِ الْاَعْرَافِ{ وَاِذْ اَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ(جَمِيعِهِمْ{ ذُرِّيَّتَهُمْ: وَاَشْهَدَهُمْ عَلَى اَنْفُسِهِمْ: اَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ: قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا؟ اَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين؟ اَوْ تَقُولُوا: اِنَّمَا اَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ(أَيْ بَبَّغَاءَ تُرَدِّدُ كُلَّ مَايُقَالُ لَهَا مِنْ قَوْلٍ اَوْ فِعْلٍ شِرْكِيٍّ بِتَقْلِيدٍ اَعْمَى{اَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُون(نعم اخي: فَهَذِهِ الْآَيَةُ: تُوضِحُ اَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ: اَخَذَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ: أَيْ اَخْرَجَهَا مِنْ ظُهُورِهِمْ: وَيُحْتَمَلُ اَيْضاً اَنَّهُ اَبْقَاهَا تَنْشَطُ فِي ظُهُورِهِمْ: آَخِذاً عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ: وَمُشْهِداً لَهُمْ عَلَى اَنْفُسِهِمْ: فِي قَضِيَّةٍ عُنْوَانُهَا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْعَرِيضِ: وَلَكِنْ لَاحُدُودَ لَهَا: وَهِيَ قَوْلُهُ: اَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ: قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا: أَيْ اَلَسْتُ بِرَبِّكُمُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ بِحَقٍّ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ: هَلْ خَلَقَكُمْ اَحَدٌ غَيْرِي: اَلَسْتُ اَنَا الَّذِي خَلَقْتُكُمْ وَرَزَقْتُكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ بَعْدَ اَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئاً مَذْكُورَا{هَلْ اَتَى عَلَى الْاِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورَا(بِمَعْنَى اَوَلَا تَذْكُرُ اَيُّهَا الْاِنْسَانُ اَكْبَرَ نِعْمَةٍ اَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْكَ بَعْدَ اَنْ اَتَى عَلَيْكَ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ تَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورَا{اَوَلَمْ يَرَ الْاِنْسَانُ اَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئَا{اِنَّا خَلَقْنَا الْاِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ اَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيرَا(اَلَيْسَتْ هَذِهِ اَكْبَرُ نِعْمَةٍ اَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْاِنْسَانُ: وَهِيَ وُجُودُكَ بَعْدَ اَنْ لَمْ تَكُنْ شَيْئاً: وَبِسَمْعٍ وَبِبَصَرٍ اَيْضاً: مَاذَا تَمْلِكُ مِنَ اللهِ اَيُّهَا الْاِنْسَانُ لَوْ اَرَادَ اَنْ يُرْجِعَكَ اِلَى الْعَدَمِ: اَوْ اَرَادَ اَنْ يُهْلِكَكَ: اَوْ يُهْلِكَ مَنْ فِي الْاَرْضِ جَمِيعاً: اَوْ{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَاشَاءَ رَكَّبَكَ( وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اَنْ يَخْلُقَكَ فِي اَسْوَاِ صُورَةٍ وَتَقْوِيمٍ: وَاَنْ يَرُدَّكَ اِلَى اَسْوَاِ مَصِيرٍ لَوْ اَرَادَ: وَلَايَسْتَطِيعُ اَحَدٌ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ كَائِناً مَنْ كَانَ: وَلَكِنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْكَ الرَّحْمَةَ: وَالْعَدْلُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الرَّحْمَةِ: فَلَاتَذْهَبْ بِنَفْسِكَ بِهَذَا الْعَدْلِ اِلَى اَسْوَاِ مَصِير: نعم اخي: وَعَنْ اَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ اَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اَرَاَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَاعَلَى الْاَرْضِ مِنْ شَيْءٍ: أَيْ اَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ لِهَذَا الْكَافِرِ: لَوْ وَهَبْتُكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الْاَرْضِ الدُّنْيَا الَّتِي كُنْتَ تَعِيشُ فِيهَا: اَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ؟ بِمَعْنَى: هَلْ تَسْتَغْنِي عَنْ هَذِهِ الْاَشْيَاءِ الثَّمِينَةِ وَالْكُنُوزِ الَّتِي وَهَبْتُهَا لَكَ لِتَفْتَدِيَ أَيْ لِتَفْدِيَ نَفْسَكَ بِهَا وَتُخَلِّصَهَا مِنْ عَذَابِ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ: بِمَعْنَى: لَوْ خُيِّرْتُ اَنْ اَتْرُكَ الدُّنْيَا كُلَّهَا بِمَتَاعِهَا وَزَخَارِفِهَا وَزِينَتِهَا وَشَهَوَاتِهَا لِاَنْجُوَ مِنَ النَّارِ: فَاِنِّي سَاَتْرُكُ هَذِهِ الْاَشْيَاءَ كُلَّهَا مُقَابِلَ اَنْ اَنْجُوَ وَلَوْ لِدَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عَذَابِ النَّار: فَيَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: قَدْ اَرَدْتُّ مِنْكَ اَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ فِدَاءً لِنَفْسِكَ مِنَ هَذَا الْعَذَابِ: حِينَمَا اَخَذْتُ عَلَيْكَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فِي ظَهْرِ آَدَمَ: اَلَّا تُشْرِكَ بِي شَيْئاً: فَاَبَيْتَ اِلَّا اَنْ تُشْرِكَ بِي: نعم اخي: وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ: وَقَوِيٌّ جِدّاً: وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: نعم اخي: فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وَهَذِهِ آَيَةٌ فِي سُورَةِ الْاَعْرَافِ: تُبَيِّنُ اَنَّ اللهَ: قَدْ اَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى بَنِي آَدَمَ: اَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ سُبْحَانَهُ: وَهَذَا هُوَ الْمِيثَاقُ الْاَوَّلُ: وَيُسَمَّى مِيثَاقَ الذَّرِّ: نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا الْمِيثَاقُ الثَّانِي: فَيُسَمَّى مِيثَاقَ الْفِطْرَةِ: نعم اخي: وَالْفِطْرَةُ: هِيَ الْهَيْئَةُ الَّتِي فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عَلَيْهَا: أَيْ خَلَقَهُمْ عَلَيْهَا: وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى{فَاَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً(أَيْ مَائِلاً عَنِ الشِّرْكِ اِلَى التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ{فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ(أَيْ لَاتَغْيِيرَ لِخَلْقِ اللهِ: اِلَّا اِذَا اسْتَجَابُوا لِاَمْرِ الشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ لَعَنَهُ اللهُ{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ(مِنَ التَّوْحِيدِ اِلَى الشِّرْكِ فِي قُلُوبِ الْبَعْضِ: نعم اخي: فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ شَاذَّةٌ عَنِ الْقَاعِدَةِ الْاِلَهِيَّةِ التَّوْحِيدِيَّةِ الصَّحِيحَةِ: نعم اخي: وَالْحَنِيفِيَّةُ التَّوْحِيدِيَّةُ: هِيَ فِطْرَةُ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا: بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ تَعَالَى: خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ: نعم اخي: وَكَلِمَةُ حُنَفَاءَ: أَيْ اَنَّهُمْ بِطَبِيعَتِهِمْ فِي فِطْرَتِهِمْ اَوْ خِلْقَتِهِمْ لَوْ اَنَّهُمْ تُرِكُوا عَلَيْهَا: فَاِنَّهُمْ يَمِيلُونَ عَنِ الشِّرْكِ: وَيُرِيدُونَ تَوْحِيدَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ: فَاَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ: اَوْ يُنَصِّرَانِهِ: اَوْ يُمَجِّسَانِهِ: كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ جَمْعَاءَ: هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ: نعم اخي: وَالْمَعْنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ: اَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ: يُولَدُ عَلَى فِطْرَةِ التَّوْحِيدِ: أَيْ عَلَى هَيْئَةِ التَّوْحِيدِ: أَيْ اَنَّ التَّوْحِيدَ غَرِيزَةٌ مَفْطُورَةٌ: أَيْ مَزْرُوعَةٌ فِي جَسَدِهِ وَقَلْبِهِ: لَوْلَا وُجُودُ الْعَقْلِ الَّذِي يَشْطَحُ بِهِ لَاحِقاً اِلَى الشِّرْكِ: سَوَاءً كَانَ عَقْلَهُ: اَوْ عَقْلَ اَبِيهِ وَاُمِّهِ الْيَهُودِيَّيْنِ: اَوِ النَّصْرَانِيَّيْنِ: اَوِ الْمَجُوسِيَّيْنِ: اللَّذَيْنِ يَجْعَلَانِ مِنْهُ يَهُودِيّاً: اَوْ نَصْرَانِيّاً: اَوْ مَجُوسِيّاً: وَاِلَّا فَاِنَّهُ يُولَدُ كَامِلاً لَاشِيَةَ فِيهِ وَلَاشَائِبَةَ مِنْ عَيْبِ الشِّرْكِ: كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ جَمْعَاءَ: أَيْ كَامِلَةً لَاعَيْبَ فِيهَا: وَجَمِيعُ اَعْضَائِهَا سَلِيمَةٌ: هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ: أَيْ هَلْ تَشْعُرُونَ بِخَلَلٍ فِيهَا اَوْ عَيْبٍ خَلْقِيٍّ: هَلْ تُولَدُ مَقْطُوعَةَ الْاُذُنِ مَثَلاً: نعم اخي: فَلَوْ اَتَيْتَ بِبَهِيمَةٍ: اَوْ بِقَرَةٍ مُسَلَّمَةٍ لَاشِيَةَ فِيهَا وَلَاعَيْبَ: ثُمَّ قَطَعْتَ اُذُنَهَا: ثُمَّ مَرَّتِ الْاَيَّامُ: فَاِذَا بِهَذِهِ الْبَهِيمَةِ الْمَقْطُوعَةِ فِي اُذُنِهَا: تَلِدُ بَهِيمَةً اُخْرَى هِيَ ابْنَتُهَا: فَهَذِهِ الْبَهِيمَةُ الْمَقْطُوعَةُ: هَلْ وَلَدِتِ ابْنَتَهَا مَقْطُوعَةَ الْاُذُنِ مِثْلَهَا: اَمْ وَلَدَتْهَا سَلِيمَةً فِي اُذُنِهَا: وَاَقوُلُ لَكَ اَخِي: بَلْ تَلِدُهَا جَمْعَاءَ: أَيْ اَعْضَاؤُهَا مُجْتَمِعَةٌ كَامِلَةٌ لَانَقْصَ فِيهَا كَالنَّقْصِ الَّذِي فِي اُمِّهَا: وَاَمَّا الْجَدْعَاءُ: فَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْاُذُنِ: نعم اخي: فَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقُولُ لَكَ: اِذَا قَطَعْتَ عُضْواً مِنْ اُمِّهَا: فَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ اَنَّ هَذِهِ الْاُمَّ سَتَلِدُ ابْنَهَا اَوِ ابْنَتَهَا مَقْطُوعَةً مِثْلَهَا: بَلْ سَتُولَدُ سَلِيمَةً جَمْعَاءَ: بِاَعْضَاءٍ مُجْتَمِعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ: لَامُجْتَمِعَةٍ عَلَى النَّقْصِ: وَكَذَلِكَ الْاِنْسَانُ الْيَهُودِيُّ اَوِ النَّصْرَانِيُّ اَوِ الْمَجُوسِيُّ الَّذِي انْتَكَسَتْ فِطْرَتُهُ وَبَازَتْ وَخَرِبَتْ وَاَصْبَحَ فِيهَا خَلَلٌ اَوْ نَقْصٌ وَقَطَعُوا عَنْهَا التَّوْحِيدَ وَاَصْبَحَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ: لَكِنَّهُ حِينَمَا يَلِدُ طِفْلاً جَدِيداً فِي الْمُسْتَقْبَلِ: فَاِنَّ هَذَا الطِّفْلَ: كَمَا اَنَّهُ يُولَدُ وَيَحْبُو بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ لِيَمْشِيَ عَلَى الْاَرْضِ: فَاِنَّهُ يُولَدُ اَيْضاً بِاَرْكَانٍ وَدَعَائِمَ مِنَ التَّوْحِيدِ يَمْشِي بِهَا عَلَى الْاَرْضِ: بِمَعْنَى اَنَّهُ يُولَدُ بِفِطْرَةٍ كَامِلَةٍ لَيْسَ فِيهَا نَقْصٌ وَلَا انْتِكَاسٌ وَلَا ارْتِكَاسٌ وَلَا ارْتِدَادٌ: وَاِنَّمَا اَبَوَاهُ هُمَا اللَّذَانِ يَقْطَعَانِ اُذُنَهُ عَنْ سَمَاعِ التَّوْحِيدِ اَوْ عَنْ فَهْمِهِ وَيَجْدَعُونَهَا: اَوْ يَضَعُونَ اَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِ: اَوْ يَجْحَدُونَ بِكُلِّ شَيْءٍ لَهُ آَيَةٌ تَدُلُّ عَلَى اَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ آَيَاتِ اللهِ الَّتِي اسْتَيْقَنَتْهَا اَنْفُسُهُمْ: وَلَكِنَّهُمْ اَسْلَمُوا اَنْفُسَهُمْ لِشَيْطَانِ الْعَنَادِ وَالتَّعَنُّتِ وَالْجُحُودِ؟ ظُلْماً وَعُلُوّاً: فَيَجْعَلُونَ مِنْ وَلَدِهِمْ يَهُودِيّاً اَوْ نَصْرَانِيّاً اَوْ مَجُوسِيّاً: نعم اخي: فَالْمِيثَاقُ الْاَوَّلُ: هُوَ مِيثَاقُ الذَّرِّ مِنْ ظَهْرِ آَدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْمِيثَاقُ الثَّانِي: هُوَ مِيثَاقُ الْفِطْرَةِ: وَهُوَ اَنَّ اللهَ تَعَالَى: فَطَرَ عِبَادَهُ: حُنَفَاءَ مَائِلِينَ عَنِ الشِّرْكِ اِلَى التَّوْحِيدِ: فَجَاءَتْهُمْ شَيَاطِينُ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ: فَاجْتَالَتْهُمْ: أَيْ اَبْعَدَتْهُمْ عَنِ الدِّينِ الصَّحِيحِ: وَاَحَلَّتْ وَاَبَاحَتْ لَهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ: مَاحَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ صَحِيح: نعم اخي: وَاَمَّا الْمِيثَاقُ الثَّالِثُ: فَهُوَ مِيثَاقُ الرُّسُلِ: وَلِذَلِكَ يَقُولُ الشَّيْخُ حَافِظُ فِي قَصِيدَتِهِ الشِّعْرِيَّةِ : وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ اَرْسَلَا: لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ اَنْزَلَا: بِمَعْنَى اَنَّ الرُّسُلَ وَالْكُتُبَ: هُمُ الْمِيثَاقُ الثَّالِثُ: وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ التَّكْلِيفُ الَّذِي اَمَرَهُمُ اللهُ اَنْ يُكَلِّفُوا عِبَادَهُ بِهِ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ حَافِظ: لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ: وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ: بِمَعْنَى اَنَّ الرُّسُلَ: تُذَكِّرُكَ بِمَا فِي دَاخِلِكَ فِي اَغْوَارِ نَفْسِكَ: وَفِي اَعْمَاقِ قَلْبِكَ: مِنْ فِطْرَتِكَ الَّتِي فَطَرَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا: مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ التَّوْحِيدِيَّةِ السَّمْحَاءِ: الْمُضَادَّةِ لِلشِّرْكِ بِكُلِّ اَشْكَالِهِ: وَاَنَّهَا حَقُّ اللهِ عَلَيْكَ: وَاَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ: وَحْدَهُ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ بِحَقٍّ: وَغَيْرُهُ لَايَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ: وَاِنَّمَا يَعْبُدُ غَيْرَهُ الْجَاحِدُونَ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ: وَالْعَابِدُونَ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ اَيْضاً: وَلِذَلِكَ يَقُولُ الشَّيْخُ حَافِظُ: لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ: وَيُبَشِّرُوهُمْ وَيُنْذِرُوهُمْ: كَيْ لَايَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ: لِلهِ اَعْلَى حُجَّةٍ عَزَّ وَجَلّ: أَيْ بَعْدَ هَذَا الْاِنْذَارِ عَنْ طَرِيقِ الرُّسُل ِوَالْكُتُبِ: لَايَكُونُ لِاِنْسَانٍ مَا حُجَةٌ: بَلْ لِلهِ اَعْلَى حُجَّةً عَزَّ وَجَلَّ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي آَيَةِ النِّسَاءِ 165{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ؟ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللِه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل( بِمَعْنَى اَنَّهُ لَاحُجَّةَ مَقْبُولَةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ: وَلَكِنْ قَبْلَ الرُّسُلِ يُمْكِنُ اَنْ تَكُونَ حُجَّتُهُمْ مَقْبُولَةً: فَيَقوُلُ اللهُ لَهُمْ: لَقَدْ قَبِلْتُ حُجَّتَكُمْ: فَمَاذَا تُرِيدُونَ الْآَن: اَنْتُمْ تُرِيدُونَ الْخَلَاصَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ الْمَقْبُولَةِ: وَاَنَا آَمُرُكُمْ بِاقْتِحَامِهَا: نعم اخي: وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي سَيَاْتِي مَعَنَا لَاحِقاً فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ: يُرِيدُ اللهَ مِنْ خِلَالِهِ اَنْ يُعْطِيَكَ دَرْساً: وَهُوَ اَنْ تَجْعَلَ لِلْحَقِّ سَبِيلاً اِلَى قَلْبِكَ لِيَخْضَعَ لَهُ: مَهْمَا كَانَ هَذَا الْحَقُّ مُرّاً: وَلَوْ اَحْرَقَ قَلْبَكَ بِمَرَارَتِهِ: وَلَوْ لَمْ تُعْجِبْكَ نَصِيحَتُهُ: فَاَبْشِرْ: فَسَيَكُونُ عَلَيْكَ بَرْداً وَسَلَاماً عَاجِلاً اَوْ آَجِلاً: حَتَّى وَرَدَ اَنَّهُ مَنْ فَعَلَ اَوْ تَرَكَ شَيْئاً لِلهِ: عَوَّضَهُ اللهُ خَيْراً مِنْهُ: وَرُبَّمَا يَكُونُ هَذَا الْخَيْرُ حَلَاوَةً مِنَ الْاِيمَانِ: وَلَذَّةً لَاتُسَاوِيهَا لَذَّةٌ: يَجِدُهَا فِي قَلْبِهِ: تُشْعِرُهُ بِنَشْوَةِ الْاِيمَانِ وَسَعَادَتِهِ: نعم اخي: فَهَذِهِ الْاَبْيَاتُ الَّتِي قَالَهَا الشَّيْخُ: مُسْتَقَاةٌ مِنْ هَذِهِ الْآَيَةِ: نعم اخي: فَرَبُّنَا تَعَالَى: اَرْسَلَ الرُّسُلَ؟ حَتَّى لَايَكُونَ لِلْبَشَرِ وَالْجِنِّ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ: لَكِنْ مَاذَا عَنِ الْبَشَرِ الَّذِينَ لَمْ يَصِلْ اِلَيْهِمْ اَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ: وَلَمْ يَسْمَعْ عَنْهُمْ: اَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَلَى لَهُمْ حُجَّةٌ: وَهُمْ اَرْبَعَةٌ: ذَكَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ: يُدْلُونَ اِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحُجَّةٍ: وَهُمْ عَلَى التَّوَالِي: رَجُلٌ هَرِمٌ لَمْ يَسْمَعِ الْاِسْلَامَ اِلَّا وَهُوَ فِي سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ لَايَعْقِلُ: أَيْ لَمْ يَعْقِلْ مِنَ الْاِسْلَامِ شَيْئاً؟ بِسَبَبِ ضَعْفٍ: اَوْ قُصُورٍ عَقْلِيٍّ: اَوْ زَهَايْمَرٍ: اَوْ خَرَفٍ اَصَابَهُ: وَاَمَّا الرَّجُلُ الثَّانِي: فَهُوَ رَجُلٌ اَصَمُّ اطْرَشُ لَايَسْمَعُ: وَاَمَّا الرَّجُلُ الثَّالِثُ: فَهُوَ رَجُلٌ مَجْنُونٌ: وَاَمَّا الرَّجُلُ الرَّابِعُ: فَهُوَ رَجُلٌ كَانَ فِي الْفَتْرَةِ: اَيْ وَقْتَ فُتُورِ الْوَحْيِ: بِمَعْنَى اَنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ نَبِيَّيْنِ: وَهُمَا نَبِيٌّ سَابِقٌ مَاتَ وَنَسِيَهُ النَّاسُ: وَنَبِيٌّ لَاحِقٌ لَمْ يُبْعَثْ بَعْدُ: اَوْ اَنَّهُ كَانَ بَعِيداً فِي مِنْطَقَةٍ نَائِيَةٍ: لَاتَصِلُهَا دَعْوَةُ الْاَنْبِيَاءِ: وَلَمْ يَسْمَعْ بِهَا: نعم اخي: وَلِذَلِكَ هَؤُلَاءِ يُدْلُونَ بِحُجَّتِهِمْ اِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ خَوْفاً عَلَى اَنْفُسِهِمْ اَنْ يَاْمُرَ اللهُ بِهِمْ اِلَى نَارِ جَهَنَّمَ: فَيَقُولُ الْاَوَّلُ: اَنَا لَمْ اَسْتَوْعِبْ: وَلَمْ اَفَهَمْ مِنَ الْاِسْلَامِ شَيْئاً: كُنْتُ خَرِفاً هَرِماً لَااَعْقِلُ: وَيَقُولُ الثَّانِي: اَنَا لَمْ اَسْمَعِ الْاِسْلَامَ: كُنْتُ اَصَمَّ اَطْرَشَ لَااَسْمَعُ: وَالثَّالِثُ يَقُولُ: كُنْتُ مَجْنُوناً: رُفِعَ عَنِّي الْقَلَمُ: وَالرَّابِعُ يَقُولُ: لَمْ تَبْلُغْنِي دَعْوَةُ اللهِ اَصْلاً: وَلَمْ يَاْتِنِي رَسُولٌ: نعم اخي: فَيَاْتِيهِمُ اللهُ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ اَنْ يَاْتِيَهُمْ: فَيَاْخُذُ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ لَيُطِيعُنَّهُ: فَيَقُولُ لَهُمْ: اُرِيدُ اَنْ اَفْتَحَ مَعَكُمْ صَفْحَةً جَدِيدَةً مُنْذُ الْآْنَ: فَهَلْ سَتَسْمَعُونَ كَلَامِي وَتُطِيعُونَنِي: فَيَقُولُونَ نَعَمْ: فَيَاْمُرُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ اَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ: نعم اخي: يَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: فَمَنْ دَخَلَهَا: كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلَاماً: وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا: يُسْحَبُ اِلَيْهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ: نعم اخي: وَالْخُلَاصَةُ: اَنَّ هُنَاكَ حُجَّةً لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الرُّسُلُ: وَاَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الرُّسُلُ: فَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل(نعم اخي: لَكِنْ بَعْدَ اَنْ جَاءَتِ الرُّسُلُ: وَذَكَّرَتِ النَّاسَ بِالْمِيثَاقِ الْاَوَّلِ: وَهُوَ مِيثَاقُ الذَّرِّ: وَذَكَّرَتْهُمْ اَيْضاً بِالْمِيثَاقِ الثَّانِي الَّذِي اَخَذَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ فِيهِ اَيْضاً: وَهُوَ مِيثَاقُ الْفِطْرَةِ: وَاَوْضَحَتْ لَهُمُ الْحُجَّةَ: فَمَاذَا تَكُونُ النَّتِيجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ يَقُولُ الشَّيْخُ: فَمَنْ يُصَدِّقُهُمْ بِلَا شِقَاقِ: فَقَدْ وَفَّى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ: نعم اخي: وَالشِّقَاقُ: اَنْ تَجْعَلَ اللهَ وَرَسُولَهُ فِي شِقٍّ: وَتَجْعَلَ نَفْسَكَ فِي شِقٍّ: أَيْ طَرِيقٍ مُخَالِفٍ لِشِقِّهِمَا: أَيْ طَرِيقِهِمَا: اَوْ طَرِيقَتِهِمَا: فَهَذَا هُوَ الشِّقَاقُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَاتَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى(أَيْ مَنْ يَجْعَلِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ الْعُلَمَاءَ وَاِجْمَاعَهُمْ عَلَى مَسْاَلَةٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ فِي شِقٍّ: ثُمَّ يَجْعَلْ نَفْسَهُ فِي شِقٍّ اَوْ طَرِيقٍ مُخَالِفٍ لِاِجْمَاعِهِمْ: وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ: نُوَلِّهِ مَاتَوَلَّى: وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ: وَسَاءَتْ مَصِيراً{ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ(أَيْ جَعَلُوا اَوَامِرَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْعُلَمَاءِ فِي شِقٍّ: وَجَعَلوُا اَنْفُسَهُمْ فِي شِقٍّ مُخَالِفٍ لَهَا جَمِيعاً: مُتَجَاهِلِينَ لِاَنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ الْعُلَمَاءِ بِمَا اَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ: هُوَ سَبِيلُ اللهِ وَرَسُولِهِ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي اَدْعُو اِلَى اللهِ: عَلَى بَصِيرَةٍ اَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي(وَمُتَجَاهِلِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى اَيْضاً{اَطِيعُوا اللهَ وَاَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الْاَمْرِ مِنْكُمُ(الَّذِينَ يَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ: وَلِذَلِكَ يَقُولُ الشَّيْخُ: فَمَنْ يُصَدِّقُهُمْ بِلَاشِقَاقِ: أَيْ مَنْ يَجْعَلْ نَفْسَهُ فِي حِزْبِ اللهِ وَتَحْتَ رَايَةِ التَّوْحِيدِ: وَلَمْ يَذْهَبْ اِلَى الشِّقِّ الْآَخَرِ الْمُخَالِفِ: أَيْ لَمْ يَشْقُقْ اَوْ يَحْفُرْ لِنَفْسِهِ طَرِيقاً مُخَالِفاً لَهُمْ: فَقَدْ وَفَّى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ: وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ: وَذَلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ: نعم اخي: وَهَذَا هُوَ الصِّنْفُ الْاَوَّلُ: وَاَمَّا الصِّنْفُ الثَّانِي: فَيَقُولُ عَنْهُ الشَّيْخُ: وَمَنْ بِهِمْ وَبِاْلِكَتابِ كَذَّبَا: وَلَازَمَ الْاِعْرَاضَ عَنْهُ وَالْاِبَا: فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلَا الْعَهْدَيْنِ: مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ: بِمَعْنَى اَنَّ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالْكُتُبِ وَبِالرُّسُلِ حِينَ تَاْتِيهِ: فَهُوَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ نَقَضَ الْعَهْدَيْنِ: أَيِ الْمِيثَاقَيْنِ: وَهُمَا عَهْدُهُ الْاَوَّلُ: عِنْدَمَا اَشْهَدَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي ظَهْرِ اَبِيهِ آَدَمَ: وَعَهْدُهُ الثَّانِي: الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ: نَعَمْ نَقَضَ الِاثْنَيْنِ مَعاً: وَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ: وَنَسْاَلُ اللهَ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً لَكُمْ: وَلِمَشَايِخِكُمُ النُّصَيْرِيِّينَ الْمُوَالِينَ وَالْمُعَارِضِينَ: وان شاء الله: ان احيانا الله الى قابل: نكمل شرح هذه الارجوزة الموفقة الى كل خير: وَآَخِرُ دَعْوَانَا اَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين



إضافة رد


مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مدبرا, مستعينا, معينا, الله, ابدا, باسم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الساعة الآن 01:04 AM.

Powered by vBulletin® Version v3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, by Sherif Youssef
ما يطرح بالمنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وإنما تعبر عن وجهة نظر كاتبها أو قائلها