كنت مع أحد الأصدقاء أيام عاشوراء نتحدث عن العزاء والأئمة ففاجئني بقوله:
إنما يقال عن الأئمة قد أخرجهم من الحدود البشرية وجعلهم أشبه بآلهة. فوجئت بقوله ! وفرحت أن يكون هناك شباب واعٍ لا يتبع ما ورثه عن آبائه بدون تفكير.
من الكتب التي بها ما يضحك الثكلى كتاب " التحفة الرضوية في مجربات الإمامية " لمحمد الرضوي ، الذي يكاد يكون كتاب شعوذة ، ففيه كيف تطرد الفئران من البيت بواسطة طلاسم معينة، وكيف تعرف عفة امرأة بواسطة اسمها واسم أمها.
(أيضاً من الكتب التي على غرار كتاب التحفة الرضوية ، كتاب ضياء الصالحين للجواهرجي ، وقد كتب الأستاذ حسين بزبوز مقالاً مهمًا عن هذا الكتاب بعنوان ( وققات مع كتاب ضياء الصالحين ). بيَّن فيه جوانب الخرافة والشعوذة ..
إن المتأمل في كتب المعاجز وغيرها يجد صورة مشوهة للأئمة عليهم السلام ، والبعض يظنها تدل على فضل الأئمة عليهم السلام وعلو مكانتهم.
ورد في كتاب مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ، وكذلك في بحار الأنوار للمجلسي :
" عن سلمان الفارسي قال: قلت لعلي عليه السلام :أحب أن تريني ناقة ثمود فدخل بيته فخرج ومعه فرس أدهم، فنادى فخرج فرس آخر ، فقال لي: اركب يا سلمان ، فركبت فإذا له جناحان ملتصقان بظهره فطار في الهواء ، ثم قال: فوصلنا إلى شجرة عظيمة فشقها بقضيب في يده فخرجت ناقة طولها ستون ذراعاً وعرضها أربعون ، فنادى فخرجت ناقة أعظم منها طولها مائة وعشرون ذراعاً وعرضها ستون ذراعاً ورأسها من الياقوت الأحمر وقوائمها من الزبرجد الأخضر وضرعها من اللؤلؤ وشقها الأيمن من الذهب والأيسر من الفضة فشربت من ضرعها عسلاً مصفى .. وفي نهاية القصة قال: فإذا بكل ركن سبعون صفا من الملائكة فجلس عليه السلام في ركن والملائكة تأتي لتسلم عليه حتى أذن لهم فانصرفوا.. (مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 1\535 ). ، بحار الأنوار للمجلسي 54\339 ).
والأدهى من ذلك الرواية التي وردت في عدة كتب منها روضة الواعظين والتي نسبَ فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :
( ولقد هبط حبيبي جبرائيل في وقت ولادة علي فقال لي : يا حبيبَ الله !ِ الله يقرأ عليك السلامَ ويهنئِّك بولادة أخيك علي -إلى قوله - فمددت يدي نحو أمه فإذا بعلي مائلا على يدي واضعا يده اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذنِّ ويقيم بالحنيفية ويشهد بوحدانية الله عز وجل وبرسالتي !
مع أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة إلى المدينة ! بل إن النبي لم يبعث وقتها بعد ولم يعلم أنه نبي !
إلى أن قال :
ثم قال لي -عليٌّ المولود حديثاً -: يا رسول الله ! أأقرأ ُ؟ قلتُ: اقرأْ ! فوالذي نفسُ محمَّد بيده لقد ابتدأ بالصُّحف التي أنزلها الله عز وأجل على آدم فقام بها شيثٌ فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر بها شيث لأقرَّ له أنه أحفظ لها منه! ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضره موسى لأقرَّ بأنه أحفظ لها منه! ثم قرأ زبور داود ! ثم قرأ إنجيل عيسى! ثم قرأ القرآن الذي أنزله الله عليَّ من أوله إلى آخره فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة. (روضة الواعظين ص 83 ) , (حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني 2\57-59 ).
علي المولود لتوه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! ويتلو القرآن الذي لم ينزل بعد من أوله إلى آخرة! والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم بعد أنه نبي ولم تنزل عليه آية واحدة !
النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه جبريل بالوحي فزع من الموقف وذهب إلى السيدة
خديجة عليها السلام يرجف ويقول لها: دثروني دثروني، ثم ذهب إلى ورقة بن نوفل فأخبره أنه الناموس الذي أنزل على موسى.
رواية مشهورة وردت في كتاب بحار الأنوار وهي :
أن الإمام عليًا عليه السلام ولد في جوف الكعبة وأن جدار الكعبة انفتح لفاطمة بنت أسد أم الإمام علي عليه السلام كي تدخل ، ثم بعد ولادته رأى أباه أبا طالب فسلم عليه ، ثم لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم عليه قائلاً : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم تلا بعد مولده سورة المؤمنون . (بحار الأنوار 35\17-18 ).
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يمثل على من حوله ويدعي أنه لا يعلم عن كونه نبياً ؟
" وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( 52 ). "
الله عز وجل يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم شيئاً عن الرسالة قبل نزول الوحي ، بينما نحن نختلق الروايات للادعاء أن الإمام علياً عليه السلام يعلم بل ويتلو القرآن كاملاً أول ما يخرج من بطن أمه إلى الحياة الدنيا.
والروايات في مولد بقية الأئمة عليهم السلام كلها على نفس هذه الشاكلة والغريب أن نتعصب لهذه الروايات ونكذب القرآن والعقل لمجرد أننا ألفنا سماع هذه الروايات منذ أن خلقنا.
ورد في كتاب مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني ( ص 23-24 ) : لم تكن الزهراء امرأة عادية ؛ كانت امرأة روحانية ملكوتية.. بل هي كائن ملكوتي تجلى في الوجود بصورة إنسان.. بل كائن إلهي جبروتي ظهر على هيئة امرأة ، إذاً النتيجة لهذا الغلو أن الزهراء، لم تكن بشراً!
قال الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ " ( الكهف 110 ).
قال السيد هاشم البحراني في كتابه مدينة المعاجز: (حدثنا شاذان بن عمر قال: حدثنا مرة بن قبيصة بن عبد الحميد قال: قال لي جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر عليه السلام وقد صنع فيلاً من طين فركبه وطار في الهواء حتى ذهب إلى مكة ورجع عليه، فلم أصدق ذلك منه حتى رأيت الباقر عليه السلام فقلت له: أخبرني جابر عنك بكذا وكذا؟ فصنع فركب وحملني معه إلى مكة وردّني. (مدينة المعاجز 5\10 ).
فيل يطير!! وحصان ذو جناحين!!
نحن لا ننكر كرامات الأولياء والصالحين ؛ لكن هذه ليست كرامات.. هذه أساطير لا يقبلها عقل !
الأئمة يكفيهم ما فعلوه حقيقة ليكونوا شعلة تنير الكون ، فليسوا بحاجة لأي أحد لينسج حولهم مثل هذه الترهات ! الأئمة عظماء بذواتهم وبشخصياتهم وليسوا بحاجة لنا كي نختلق لهم الأكاذيب !
والغريب أن تختلق كل هذه الخوارق للأئمة لإثبات أن قدراتهم تفوق القدرات البشرية ، ومع امتلاكهم لهذه الخوارق ينسب إليهم الجبن والسكوت على الظلم، بل ويهجم على بيت الإمام علي عليه السلام ويكسر ضلع زوجته البتول ويسقط جنينها وهو يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه !
هل يفعل الأنبياء المعجزات كما يشاءون ويختارون ما يفعلون ، أم أن حدوثها باختيار الله ، وقد لا يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد حدوثها؟!
أصحاب الكهف قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم ، فهم لا يعلمون أنهم ناموا أكثر من ثلاثمائة سنة.
ونبي الله موسى ألقى العصا وعندما شاهدها تهتز كأنها جان ولى مدبراً خائفاً من المشهد.
فهل يصنع الإمام ما يشاء من كرامات وكأن الأمر بيده ؛ فتارة يحيي الموتى ، وتارة يتحكم في الشمس ، وتارة يعلم الغيب ويقضي الحوائج ويرسل للناس أرزاقهم ؟!
لقد نسب للأئمة أشياء خارقة أخرجتهم من نطاق البشر وجعلتهم شيئاً آخر لا نعلم ما هو ، فكيف نستطيع الاقتداء بهم إذا كانوا بهذه الصفات الخارقة ونحن مجرد بشر؟!
إذا كان الإمام مجبولا على الطاعة مثل الملائكة مثلاً فكيف نقتدي به ؟!
نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه بشر مثلنا تماماً.
فلم يقل: اقتدوا بجبريل أو ميكائيل ، إذ كيف يجعلنا نقتدي بمخلوقات تختلف عنا في الأحاسيس والمشاعر والتركيب الجسماني ؟!
ثم من هو الأفضل ، من خلق بشراً عادياً له شهواته ونزواته واستطاع بعظمته وسمو روحه أن يتغلب عليها أم من خلق مفطوراً على الطاعة لا يملك عنها محيصًا ؟!
وقد أمر الله نبيه أن يؤكد على بشريته تلك للذين طلبوا منه معجزة :
" وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( 90 ) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ( 91 ) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( 92 ) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ( 93 ). ( الإسراء )
وقال الإمام الصادق عليه السلام حين سمع أن هناك من غلا فيهم :
( فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا ، ما نقدر على ضر ولا نفع ، إن رحمنا فبرحمته ، وإن عذبنا فبذنوبنا ، والله ما لنا على الله من حجة ، ولا معنا من الله براءة ، وإنا لميتون ، ومقبورون، ومنشورون ، ومبعوثون ، وموقوفون ، ومسئولون ، ويلهم ! ما لهم لعنهم الله ؟! فلقد آذوا الله وآذوا رسوله في قبره وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي . (رجال الكشي 2\491 ) ، بحار الأنوار ( 25\289 ).
الأئمة بشر مثلنا خلقوا مثلما خلقنا تماماً ، لكن نفوسهم العظيمة وقلوبهم الطاهرة جعلتهم عظماء.. أخلاقهم وليس خلقتهم. وإلا فلا ثواب لهم على الطاعة ولا جزاء ؛ لأنهم مجبولون على الطاعة ، فالملائكة مجبولة على الطاعة لذا لا ثواب ولا عقاب عليها .. لا جنة ولا ناراً.
قال الإمام زين العابدين عليه السلام :
" لعن الله من كذب علينا ، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادَّعَى أمراً عظيماً ، ما له لعنه الله ؟!
كان عليٌّ عليه السلام واللهِ عبداً لِلَِّه صالحاً ، أخو رسول الله ما نال الكرامةَ مِنَ الله إلا بطاعته لِلَِّه ولرسوله ، وما نال رسول الله الكرامةَ مِنَ الله إلا بطاعته " (رجال الكشي 1\324 ). بحار الأنوار ( 25\286 ),
قال المفكر علي شريعتي:
( في التشيّع الصفوي فإن العصمة عبارة عن حالة فسيولوجية وبيولوجية وبارسيكولوجية خاصة لدى الأئمة تمنعهم من ارتكاب الذنوب والمعاصي ، حسناً إذا كنت أنا مخلوقاً كذلك فلن أستطيع ارتكاب الذنوب حينذاك فما قيمة تقواي إذن ؟
ما قيمة التقوى الناجمة عن العجز عن ارتكاب المعاصي إن الجدار وفق هذا المفهوم سيكون من أتقى الأشياء لأنه لا يستطيع أن يذنب بالطبع ، ومثل ذلك ما يدّعيه بعض الوعاظ وأصحاب المنابر من أن السيف لم يكن يمضي في جسد الأمام في محاولة لاختراع كرامات وفضائل للإمام ولا يعلمون أنهم بذلك إنما يقللون من شأن الإمام ومن مقدار شجاعته !
إن الإمام في التشيّع الصفوي يتمتع بنوع من العصمة الذاتية الفاقدة لأي قيمة لا إنسانية ؛ لأن الإمام المعصوم عاجز عن ارتكاب الذنب ، ولا قيمة علمية وتربوية لأن الناس لن يكونوا قادرين على التأسي والاقتداء بشخص يختلف عنهم ذاتياً ، لقد حول التشيّع الصفوي الأئمة إلى موجودات ميتافيزيقية وكائنات مجردة وغيبية مصنوعة من نوع خاص من الماء والطين ، وبالتالي أفرغوا الإمامة من محتواها القيمي ، كما أفرغوا الاعتقاد بالإمامة من قيمته وأثره السلوكي والعملي وهو الاقتداء !
كل ذلك جرى تحت خيمة تقديس الإمام وتكريم مقامه بواسطة الملالي التابعين لجهاز الحكم الصفوي ، فلقد رفع الملاّ مقام الإمام إلى مستوى الملائكة واكتشف فضائل ومناقب عظيمة جداً لمحمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ومنح المعصومين الأربعة عشر مقاماً سامياً إذ نسبهم إلى طينة وجوهر غيبي من جنس ما فوق البشر وما وراء الطبيعة ، وزعم أن ذواتهم ليست ذواتاً إنسانية وأن خلقتهم ليست خلقة آدمية ، بل هم عناصر من النور الإلهي اكتسبت ظاهرة الآدميين ، وطبقاً لما زعمه الملالي فإن لأهل البيت نوعين من المناقب والفضائل بعضها مختصة بهم لا يمكن أن يتحلى بها أحد غيرهم ، والنوع الآخر هي مزايا إنسانية سامية لا يدانيهم فيها أحد ، وإن وجدت لدى إنسان غيرهم فبدرجة ضئيلة وعلى طريق الاكتساب ، بينما تلك الصفات لدى المعصومين هي صفات ذاتية تقتضيها طبيعة ذواتهم وليست اكتسابية ، ما يعني بالتالي - حسب هذا المنطق السقيم -أن أتباع الأئمة سيكونون أفضل منهم لوضوح أن المناقب الإرادية أفضل من المناقب الثابتة للمرء بالجبر والطبع الذاتي أو الموروث ). (التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص 250-252 ).
يقول الشيخ المفيد :
" إن الأئمة من آل محمد قد كانوا يعلمون ضمائر العباد ، ويعرفون ما يكون قبل كونه " (أوائل المقالات للمفيد ص 67 ).
كيف يقال:
إن الإمام يعلم الغيب والنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أعظم من الإمام يقول كما جاء في كتاب الله :
إن الغلو لم يقتصر على الأئمة عليهم السلام بل أصبح المراجع يعلمون الغيب ويأتون بالخوارق ، ففي كتاب ( الكرامات الغيبية للإمام الخميني ) لحسين الكوراني قال في قصة حارس السجن تحت عنوان سجين أم طليق :
"كان يخبرني بأشياء عجيبة عن هذا السيد ، فكان دائماً يراه في حال الصلاة وفي بعض الأحيان كان يختفي من السجن !
ففي إحدى المرات بعد أن افتقده فتح باب السجن وكان مقفلاً ودخل ليبحث عنه فلم يجده فخرج وأقفل الباب وعاد إلى عمله .. بعد فترة وجيزة رآه يصلي داخل السجن !
فتعجبت من رواية صديقي وأردت أن أتأكد من ذلك بنفسي فتبادلنا مهامنا في الخدمة ورأيت عين ما قاله صديقي .. " (الكرامات الغيبية للإمام الخميني ص 51 ).
وتحت عنوان أين اختفى الإمام ؟
قال :
" في إحدى ليالي الجمعة عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل أشار الجهاز بلزوم تبديل الشحنة فدنوت من غرفة الإمام وقلت:
يا ألله ! فلم أسمع جواباً ، فكررتها مراراً ولكن دون جدوى بعد ذلك اضطررت إلى الدخول ، لكني لم أجده بالداخل !
فتعجبت وخرجت مسرعاً وأخبرت أحد العاملين في بيت الإمام أن يبحث في الغرف الأخرى – وطبعاً لم يكن البيت كبيراً لأعجز عن البحث .. لكني لم أرغب في دخول الغرف – فلم يجده ، ولا زال هذا الشخص يعمل هناك فذهبنا إلى القسم الداخلي ( المخصص للعائلة ) أخبرتنا إحداهن أن الإمام ليس في ذلك القسم أيضاً ، فطلبت من هذه المرأة أن تأتي معنا وتبحث عنه في غرفته مرة أخرى .. فجئنا نحن الثلاثة معاً ولم نجده أيضا ..
قلقت جداً وطلبت إيقاظ السيد أحمد الخميني من نومه فأخبرت أنه قصد قم لزيارة السيدة المعصومة ليلة الجمعة فزاد القلق لعدم وجود أحد يمكنه أن يساعدنا في حل هذه المشكلة .. بعد ربع ساعة طلبت من السيد عيسى - العامل - أن يتفقد الإمام مرة أخرى فلما رجع رأيت الفرح بادياً على وجهه .. وقال :
إن الإمام جالس على سريره ، فسررت جداً ودخلت غرفته مسرعاً ووجدته جالساً على سريره متبسماً فقبلت يده وبدلت الشحنة ولم أسأله عن سبب اختفائه لعله كان في حالة لا يجب أن نراه فيها ، أو لا يريد إطلاعنا على الأمر .
وبقيت هذه الحادثة تشغل أذهاننا حتى الآن .. فلم نعرف ما حدث ، حتى أن زوجة ابنه السيدة طبطبائي سألته ذات مرة عن هذه الحادثة وأين كان فنظر إليها مبتسماً ولم يجبها .. وتقول : لم أسمح لنفسي بعدها بتكرار هذا السؤال .. " (الكرامات الغيبية للإمام الخميني ص 53 )
وفي الحاشية عقب المؤلف أن الأولياء يستطيعون الذهاب أينما شاءوا .. وقال أموراً ادعى فيها أن الإمام الخميني يعلم الغيب .. ومن ذلك قصة منشورات أمََر الإمام الخميني بعدم توزيعها ثم وزعت بدون علمه على بعض الأفراد .. فعلم الإمام الخميني ذلك .. (الكرامات الغيبية للإمام الخميني ص 55 ).
وقوله في قصة نصر الله شاه آبادي :
عندما جاء الإمام الخميني إلى النجف سردت له المنام فابتسم قائلاً : سوف تتحقق هذه الأحداث ، فسألته: كيف؟
فقال:
سوف يتضح الأمر فيما بعد -إلى قوله - فتجلى لي ما قاله الإمام الخميني أيضاً عندما أخبرني أن كل هذه الأمور ستقع وستحدث ..
ذات مرة كان أحد أصحابي محتاراً في أمر ما فقال لي :
سأتصل على الشيخ فلان كي يعمل لي خيرة .. فأتصل بالشيخ وطلب منه أن يستخير له .. فسألته فيما بعد - وكنت أعرف الإجابة مسبقاً - كيف يعمل الشيخ الخيرة ؟
فقال :
يمسك المسبحة ثم يسحب خرزتين خرزتين فإن بقيت واحدة فهذا يعني افعل .. وإن بقيت اثنتين لا تفعل .. وإن بقيت ثلاث أعد الخيرة من جديد ، قلت له :
لو طلبت منه الآن إعادة الاستخارة من جديد ألن تكون عكس ما قاله قبل قليل .. ؟! (الكرامات الغيبية للإمام الخميني ص 28 )
ما الفرق بين هذا وبين ما كان يفعل في الجاهلية بالأزلام ؟
وهي أقداح مكتوب على أحدها أفعل والآخر لا تفعل والثالث لا شيء .. اذهب واستخر رب العالمين وادعه أن يحقق لك ما تطلب بدل أن تستخير المسبحة !
فليخبرني أي شيخ يعمل مثل هذه الخيرة للناس .. أين ورد دليل على مثل هذا الفعل في كتاب الله أو في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار ؟!
لكن تعلقت القلوب وطلبنا العون من كل شيء حتى من المسبحة ، وتركنا رب العالمين !
كنَّا نشاهد معاً برنامجاً وثائقياً عن الهند أنا وأحد الإخوة المصريين وهو من أسرة صوفية لكنه صاحب فكر متحرر من خزعبلات الصوفية ، وكان من ضمن المشاهد:
مجموعة من البوذيين ينام أحدهم على المسامير ، وآخر يمشي على الجمر ، وثالث يغرز سكيناً في رأسه .. ومثل ذلك ..
فقال لي الأخ: هذه الخدع هي صورة طبق الأصل من خدع الصوفيين الذين يدعون الكرامات في مصر ..
وأضاف ساخرا:ً حري بكل صوفي أن يتفرج على كرامات أوليائه الصالحين وهي تحدث لهؤلاء الكفار وعبدة الأصنام.
كلمة أصنام أخذتني بعيداً .. فتذكرت قصة ظهور الأصنام في الجزيرة العربية .. وكيف أن صنم اللات نسبة لرجل صالح كان يلت السويق فلما مات حزن عليه الناس وأقاموا له صنماً للذكرى ثم عبد الصنم من دون الله
.
تخيلت أن هناك صنماً تجمع حوله مئات الناس يطلبون الرزق والشفاء بكل خضوع وخشوع .. وفجأة أخذ الشيطان هذا الصنم من بينهم ووضع بدلا منه شجرة .. ومازال الناس في مكانهم يطلبون الرزق !
ثم اختفت الشجرة وظهرت مكانها نار ، ومازال الناس حولها عاكفين !
ثم اختفت النار وظهر قبر، ومازال الناس يطلبون الرزق ويتبركون به ليقربهم إلى الله زلفى !
ما الفرق بين كل هذه المتغيرات إذا كان الفعل واحداً ؟!
ما الفرق بين أن يكون في المنتصف صنم أو شجرة أو نار أو قبر أو أي شيء آخر إذا كان العمل واحد اً.. دعاء غير الله وطلب الحاجات ممن سواه؟!
عجبت من مكر الشيطان وكيفية استبداله للأشياء وتغييره المسميات عبر التاريخ كي يحقق هدفه ؛ وكأن الشيطان يريد أن يقول للبشرية المخدوعة:
من لم يطف باللات طاف بغيره .... تعددت الأسماء والشرك واحد
إن تسمية الخمر بغير اسمها لا يجعلها حلالاً .. فتسميتها مشروبات روحية أو منشطات ذهنية أو أي اسم آخر لا يلغي حكم الإسلام فيها .. كذلك اختراع أو اكتشاف أنواع جديدة مشابهة للخمر من حيث التأثير لا يجعلها حلالاً !
فإن الخمر محرمة ليس لأن اسمها خمر .. بل لأنها تذهب العقل .. فأي شيء يذهب العقل فهو حرام بغض النظر عن ما يسميه الناس ..
.
المخدرات والحشيش والأفيون حتى شم الغراء محرم .. لأنه يذهب العقل مثل الخمر ..
كذلك دعاء الأصنام شرك ليس لأن اسمها أصنام أو غير ذلك بل لأنه صرف عبادة لغير الله .. فلا فرق بين دعاء صنم أو شمس أو ملائكة أو أضرحة كل هذا صرف عبادة لغير الله بغض النظر عن الأسماء.
هل بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم ليبين لنا أن طلب الرزق والشفاء يجوز من الأئمة أم أنه بعث ليصرف العبادة لله وحده ؟!
تأمل قول نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما ذكر لنا القرآن :
" وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ "
وقال تعالى :
" وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَئًيْا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون . " ( سورة النحل 20 – 21 ).
أموات غير أحياء .. إذا لم تكن هذه الآية تتحدث عن دعاء الأموات من دون الله فعن ماذا تتحدث ؟!
قد يقول قائل :
إن الأئمة شهداء ، والشهداء أحياء عند ربهم كما قال تعالى:
" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون .. ثم كل من يستشهد بالآية لا يكملها بل يقف عند :
" أمواتا "
فلو تأمل كل من استشهد بالآية بقيتها وهي :
" بل أحياء عند ربهم يرزقون "
فقال: يُرزقون لا يَرزُقون ..
يجري الله عليهم رزقهم لا أن يرزقوا هم الناس .. أقول: لو تأمل هذه الآية لما استشهد بها على جواز طلب الرزق من الأموات ..
قال الإمام عليه السلام في الحديث الذي تقدم:
( فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا ، ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته ، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة، ولا معنا من الله براءة ، وإنا لميتون ، ومقبورون ، ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسئولون ، ويلهم ما لهم لعنهم الله !
فلقد آذوا الله وآذوا رسوله في قبره وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي ). (رجال الكشي 2\491 ) بحار الأنوار للمجلسي ( 25\289 ).
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقم أضرحة ولا قباباً على قبر ابن عمه جعفر أو عمه حمزة ، ولم يبن أمير المؤمنين في خلافته ضريحاً على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعل ذلك الأئمة .. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك، روى الشيخ الصدوق والشيخ الحر العاملي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إن الأمر تعدى الأئمة بكثير فأصبح هناك ضريح للإمام الخميني وغيره يزوره الزائرون ويطلبون منه الرزق والشفاء ، إنها خطة الشيطان القديمة جاءت من جديد لكن بثياب مختلفة ، كانوا قديماً كلما مات رجل صالح بنوا له صنماً ، والآن كلما مات عالم بنوا له ضريحاً، وما كان يفعل عند الصنم يفعل الآن تماماً عند الضريح .. لا فرق.
الغريب أنك تجد الكتب الدعائية التي تبرر مثل هذا الفعل تذكر الأحاديث التي تجيز زيارة القبور للعظة والعبرة وتمزجها بأحاديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة لتبرير الطواف حول الأضرحة وطلب المعونة والنصرة من أصحاب القبور ، ولا أعلم ما الرابط بين جواز زيارة القبور وجواز دعاء أصحابها من غير الله ؟!
جميع الأديان الضالة وضعت وساطات بين العبد وربه ، فالرهبان في المسيحية وسطاء بين العبد وربه ، والأصنام لدى المشركين كذلك ، فهل يستمر الشيطان باستعمال نفس الخدعة على باقي البشر ؟!
قال الإمام (علي) عليه السلام موصياً الإمام الحسن عليه السلام
" اللهم إني بريء من الحول والقوة ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم إني أعوذ بك وأبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق، اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا ، اللهم لك الخلق ومنك الرزق وإياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين، اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ، ولا تصلح الإلهية إلا لك ، فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك، والعن المضاهين لقولهم من بريتك. اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ، اللهم من زعم أنا أرباب فنحن منه براء ، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن براء منه كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون ، واغفر لنا ما يدعون ، ولا تدع على الأرض منهم دياراً ، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً ). (الاعتقادات للصدوق ص 99-100 ) ، (بحار الأنوار للمجلسي 25/343 ).
الإمام يتبرأ ممن يطلب منهم الرزق والبركة والبعض مُصرّ على دعائهم من دون الله !
فهل تحب أن يتبرأ منك الأئمة يوم القيامة كما سيتبرأ عيسى بن مريم من النصارى ؟!
كما قال الإمام علي عليه السلام اللهم إني بريءٌ من الغُلاةِ كبراءةِ عيسى ابنِ مريم من
النصارى، اللهمَّ اخْذُلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً ( الأمالي للطوسي ص 650 ).
وجميع من اخترعوا فكرة الأضرحة ما كان قصدهم سوى سرقة أموال الناس ، فهناك أكثر من مدينة تدعي وجود الإمام الحسين عليه السلام فيها مثل القاهرة ودمشق والرقة وعسقلان ، والإمام الحسين عليه السلام جميع المسلمين له محبون لذلك ستجلب تلك الأضرحة الأموال الطائلة من جميع أنحاء العالم لسدنة الضريح.
والأعجب أن يزعم أن قبر اليسع عليه السلام في جنوب غرب قرية الأوجام في القطيف!!
قبر اليسع في القطيف؟!
يا حي يا قيوم، ما الذي جاء بقبر اليسع من فلسطين إلى القطيف؟!!
جميع الأدلة الشرعية والتاريخية تشير إلى أن اليسع عليه السلام أمضى حياته بين جبل قاسيون وبيت المقدس فما الذي نقل قبره إلى هنا؟!! هل هرب من حصار اليهود؟! هل كذَّبه قومه حياً فهرب منهم ميتاً ؟!
ولو سمحت لك الظروف فسترى قبره في قرية الأوجام وستسمع من يقرأ زيارة نبي الله اليسع عليه السلام !!
وآخر تقليعة قرأتها في أحد المواقع الإخبارية بناء ضريح للإمام علي عليه السلام في مزار شريف !!
الكل يتنافس للحصول على أكبر قدر من الأضرحة لجمع أكبر قدر من أموال الناس ، فهذا هو المشروع الذي لا يفشل أبداً طالما أن هناك أناساً سذجاً يصرون على أن تصيبهم لعنة الله ورسوله والأئمة.. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :